البحث عن مظاهرة.. لماذا اختفى المعارضون لاتفاقية تيران وصنافير من شوارع القاهرة في يوم للغضب؟

تم النشر: تم التحديث:
SD
sm

"الشمس تعبت دماغي من اللف على الفاضي".. هكذا تحدثت وفاء عبد القوي -فتاة نوبية في العقد الثالث من عمرها- وهي في حالة إعياء شديدة، بعد أن أُرهقت من اللف في شوارع القاهرة بحثاً عن المظاهرات التى حضرت خصيصاً من أسوان مساء الخميس 15 يونيو/حزيران 2017 للمشاركة فيها، استجابة للدعوات التي أطلقتها القوى السياسية المصرية اعتراضاً على إقرار البرلمان المصري، الأربعاء، اتفاقية تسليم تيران وصنافير إلى السعودية.

دعوات التظاهر الجمعة 16 يونيو/حزيران، دعا إليها حمدين صباحى المرشح الرئاسي السابق وجماعة الإخوان المسلمين؛ احتجاجاً على موافقة البرلمان المصري على اتفاقية "تيران وصنافير"، وتأتى تلك التحركات في إطار ممارسة المزيد من الضغوط على النظام المصري للتراجع عن تنفيذها.

توقفت السيارة التي كانت تقل وفاء و3 من أصدقائها بجوار تمثال طلعت حرب القريب من ميدان التحرير؛ بحثاً عن مياه للسيارة لتقليل سخونتها في ظل درجة حرارة اقتربت من الأربعين. في الجهة الأخرى من الشارع، أتوبيس مليء بجنود الأمن المركزي بملابس مدنية، يتصببون عرقاً من شدة الحرارة.

ما حدث لوفاء ومحمد ورفقائهم عبّر عن المشهد الذي كانت عليه شوارع القاهرة الكبرى عقب صلاة الجمعة. لم تخرج المظاهرات الشعبية، ولم ينقذ المشهد في صورته الأكبر سوى خروج بعض مظاهرات باسم الإخوان المسلمين في الأماكن النائية التي اعتادت التظاهر بها كملاذ آمن على مدار السنوات الثلاث الماضية.


شوارع خالية ومتاريس أمنية في مداخل التحرير



جولة وفاء بدأت عند تجمعها مع أصدقائها في ميدان العباسية (وسط القاهرة) قبل نصف ساعة من صلاة الجمعة. وكانت وجهتهم الأساسية إلى ميدان مصطفى محمود بمنطقة المهندسين في الجيزة، بعد أن سرب لهم أحد الأصدقاء أن حمدين صباحي سوف يوجد هناك ليخرج بمظاهرة حاشدة تجاه ميدان التحرير.

في منطقة ميدان التحرير، كانت هناك 3 مشاهد هامة: الحشود الأمنية في محيط المساجد مثل مسجدي مصطفى محمود ومسجد الاستقامة بالجيزة؛ وخلو الشوارع العامة من العناصر الأمنية؛ والمشهد الثالث هو الحصار الأمني لمداخل ميدان التحرير كافة. هدوء تقطعه أبواق سيارات التدخل السريع التابعة للقوات المسلحة.


حمدين وحيداً تحت الحصار



"قلت لهم يلا نلحق بداية المظاهرة".. هكذا تروي وفاء لـ"هاف بوست عربى" كيف انتهت جولة السيارة التي سبقت صلاة الجمعة، ولكنها قالت إنهم وصلوا إلى ميدان مصطفى محمود مرة أخرى وصوت المؤذن يرتفع بعد انتهاء الخطبة داعياً للصلاة.

برفقة بعض الشبان، خرج حمدين صباحي من المسجد في رفقة ضابط شرطة، وسط حالة ترقب من الحشود الأمنية التي حاصرت المسجد.

هنا، قررت وفاء ألا تيأس وبدأت في جولة البحث عن المظاهرات بالقاهرة عبر موقع فيسبوك. هتفت بعد قليل: "اطلع بسرعة على شارع فيصل، فيه مظاهرات بدأت هناك".

بعد 15 دقيقة، وصلوا لميدان الجيزة ولم يجدوا أي مظاهرات. وباتصال هاتفي به علمت أن صاحب المعلومة شاهد مظاهرة الإخوان على قناة الجزيرة، التي كتب على الصور أنها من شارع فيصل. في الحقيقة، كانت في "المستقبل"، إحدى المناطق النائية بحي فيصل والتي اعتاد الإخوان التظاهر بها كل جمعة منذ 30 يونيو/حزيران.

عاد الرفاق إلى فيسبوك، ونقلت لهم وفاء ما تم تداوله عن خروج مظاهرات في مدن منيا القمح ومدينة العاشر من رمضان بالشرقية، وخروج مظاهرة في صفط اللبن بالجيزة، ومظاهرات أخرى كان الرابط بينهم جميعاً صوراً تحمل في خلفياتها صورة علامة رابعة.






المشهد إيجابي بسبب كل هذه الاعتقالات



ولكن رغم ضعف المشاركة التى حدثت اليوم، فإن عبد الرحمن حسن، أحد المسؤولين بالعمل الثوري للمكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين الذى صدر عنه بيان المشاركة الأربعاء، يرى أن تحليل الجماعة لمشهد اليوم يرصد العديد من الجوانب الإيجابية مع تحليل أسباب ضعف المشاركة.

حسن، قال لـ"هاف بوست عربى" إن من أبرز إيجابيات المشهد الحالي التوافق على رؤية مشتركة للحراك على الأرض لصالح قضية وطنية موحدة، وهي أمور شبيه بما حدث في مظاهرات الأرض أبريل/نيسان 2016، وما يزيد حجم إيجابيات اليوم حالة التوحد التي لمسانها لدى العديد من رموز القوى المدنية للحث على قبول المشاركة من الجميع، وذلك رغم عدم وجود قنوات تواصل حالياً، وقرار المشاركة لم يكن بتنسيق مع أحد.

القيادى بالمكتب الإداري، قال إن نزول الإخوان في مناطقهم المعتاد نزولهم بها نتيجة التخوف من دفع ضريبة أخرى بعد ما حدث على مدار السنوات الماضية، ولكن التوافق مع القوى الأخرى قد يجعل هناك حافزاً لعودة العمل المشترك في الميادين.

وعن ضعف المشاركة، أوضح حسن أن هذا الأمر طبيعي نتيجة القمع الذي حدث على مدار 3 سنوات، وحجم الدماء التي تورط فيها النظام. وفيما يخص إمكانية عدم استخدام شعارات الشرعية في الشارع، أشار إلى أنه يمكن التوافق على شعارات موحدة لتحقيق أهداف مشتركة مرحلية مع حق كل فصيل في الاحتفاظ برؤيته الخاصة لوقت لاحق.


الغضب كبير والقمع يحجمه


إلهام عيدروس، وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس، أرجعت سبب ضعف المشاركة إلى حجم القمع الأمني والذي تضاعف بوصول عدد المعتقلين خلال الـ48 ساعة الماضية لما يزيد على 80 شخصاً في المحافظات المختلفة، بجانب وجود البعض الذي رفض المشاركة في وجود الإخوان.

عيدروس ذكرت لـ"هاف بوست عربي"، أن الغضب الشعبى كبير، وهناك العديد من المؤشرات عن حجم هذا الغضب، مثل حملة التوقيعات داخل المهن المختلفة سواء المهندسين أو الأطباء أو السينمائيين، وغيرهم من الفئات المختلفة، بجانب القوى الوطنية والسياسية، والنظام يعرف حجم الغضب، والتحركات الشعبية مستمرة في الفترة المقبلة، بجانب التحرك القانونى.


نهاية الرحلة وفاء



في نهاية اليوم، اتصلت وفاء بأحد أقاربها في هيئة السكة الحديدية تطلب منه حجز تذكرة سفر إلى أسوان في القطار المغادر في التاسعة من مساء الجمعة.

وقبل المغادرة، حاول محمد رفع روحها المعنوية، مبرراً ما حدث من عدم الخروج بالحملة الأمنية التى شنتها الأجهزة الأمنية على قيادات القوى المدنية خلال الـ48 ساعة الماضية، مع ارتفاع درجة الحرارة التى تخطت الـ50 في بعض أوقات النهار.