Monday, March 24, 2008

نحو جبهة موحدة لليسار في لبنان

باسم شيت


وثيقة قدّمها "التجمع اليساري من أجل التغيير" إلى "اللقاء اليساري التشاوري" المنعقد في قصر الأونيسكو في بيروت بين 15 و16 آذار 2008

* تم جمع الوثيقة من خلال عدة مقالات نشرت في المنشور *

يرى الكثيرون أن أساس الأزمة في لبنان هو الانقسام ما بين قوى السلطة وقوى المعارضة، ويتم تصنيفه تقليدياً وبشكل مبسّط بأنه انقسام طائفي وصراع على السلطة. المعضلة هنا ليست وجود الانقسام، بل لماذا يؤدّي هكذا انقسام إلى أزمة؟ الصراع السياسي يُشكّل المحرك الأساسي لأي ديمقراطية برلمانية، والصراع على السلطة يكاد يكون أكثر الأشكال رواجاً فيها. المسألة هنا لا تتعلق بخلاف أو انقسام حول كيفية إدارة البلد أو حول من يديره، بل هي أزمة النظام نفسه لعدم قدرته على إدارة الصراع السياسي وعدم قدرته على استيعاب التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلد.

النظام اللبناني أو، لدقة التسمية، النظام الطائفي ليس إلاّ دائرة مفرغة لا تولّد سوى الأزمات، إذ يعتمد بشكل أساسي على التوافق لا على الصراع كمحرك له. هذا يتناقض مع أبسط قواعد الديمقراطية البرلمانية، الصراع على السلطة والصراع السياسي. فالنظام القائم ليس قادراً، لا من خلال قوانين الانتخابات المتتالية ولا من خلال الحوارات الهادئة منها والساخنة، أن يفرز أغلبية سياسية تستطيع أن تقود البلد. هو محكوم بإنتاج أغلبيات طائفية، أغلبيات نسبية يحتّم عليها إما التوافق وإما التأزم.

كل نظام ديمقراطي يجب أن يبنى على ظروف موضوعية، لا الوقائع الآنية غير المستقرة. فالتقسيم الطائفي والنسب الديموغرافية الطائفية تتغير بفعل الوقت وهي سريعة التغيير. في لبنان، بدل أن يؤمّن النظام السياسي للمجتمع خيارات حول كيفية إدارة نفسه، نراه يسقط خيارات وديناميات لا تتناسب والواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فتكون فعاليته محدودة.

اليوم نعيش التناقض بين النظام الطائفي القائم والواقع الاجتماعي السياسي الحالي؛ كما نعيش فرصة تاريخية للتخلص من هذا النظام واستبداله بنظام ديمقراطي حقيقي يتناسب مع حاجات المجتمع ومتطلبات الصراع من أجل حياة أفضل. الواقع تغيّر، وأصبح هذا النظام عائقاً أكبر أمام تطور المجتمع.

ماذا تغيّر على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في لبنان؟

قبل الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة، كان هناك ما يعرف بالمارونية السياسية. أي كانت الطائفة المارونية هي التي تحتكر القيادة السياسية للبلاد. كذلك كان هناك نظاماً اقتصادياً حمائياً مارونياً، أي نظاماً اقتصادياً هدفه حماية رعايا الطائفة المارونية، وكانت الدولة ترعاهم بشكل خاص.

هذا النمط لم ينتج صدفة، بل له مسبباته ومبرراته التاريخية والسياسية. ففي منتصف القرن التاسع عشر مثلاً، وحتى بدايات القرن العشرين تطورت الرأسمالية في لبنان وفي جبل لبنان بالتحديد على غرار الرأسمالية الفرنسية وكانت مهام بورصة ليون بشكل أساسي هي تمويل صناعة الحرير في جبل لبنان. أدتّ صناعة الحرير إلى تطور أنماط الإنتاج في جبل لبنان وتخلفها اقتصادياً في المناطق الأخرى كالشمال والبقاع والجنوب.

أصبح الاقتصاد الجديد يمتد بين جبل لبنان وبيروت، ووجود الموارنة كأغلبية أساسية في جبل لبنان والسنة في بيروت جعلهما، وخاصة الموارنة، سباقين في مشروع بناء الدولة المركزية. والسلطة المركزية ليست حاجة إقطاعية بل هي عامود أساسي في عملية تطور النظام الرأسمالي. فالسلطة القادرة على مركزة رأسمال هي الدولة المركزية.

كان مبرراً في السياق التاريخي أن تكون القيادة السياسية والاقتصادية الإنتاجية هي قيادة مارونية، وهذا جعل الطبقة الوسطى والطبقة البرجوازية ذات أغلبية مارونية ويأتي في المرتبة الثانية السنّة. وربما هذا يبرر بعض الشيء ما يستنتجه مهدي عامل بأن الشيعة هم الأغلبية في الطبقة العاملة.

لكن الحرب اللبنانية غيّرت هذا الواقع. دمرت الحرب الأخيرة الأسس البنيوية للنظام، حيث وضعت الميليشيات والعصابات المسلحة نفسها كقوة أساسية في إدارة المجتمع، وقامت بتفتيت المركزية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما أثر جذرياً في التنظيم الاقتصادي والاجتماعي اللبناني. ومن جهة أخرى، تلقى الاقتصاد وقطاعاته المنتجة ضربة موجعة أجبرته على إعادة تنظيم ذاته على واقع مختلف بعد الحرب اللبنانية.

لم يعد صحيحاً ما كان موجوداً قبل الحرب، فالطبقة العاملة اليوم تضم أغلبيات الطوائف جمعاء. الحرب الأهلية منحت فرصة للرأسمال المحلي بأن يتطور من ضمن الظروف البنيوية والاقتصادية نفسها، مما مكّن إعادة تركيب الطبقة العاملة بشكل أصبحت فيه عابرة للطوائف بشكل أكثر تساوياً.

اليوم أغلبية الموارنة، كما أغلبية السنة وأغلبية الشيعة ينتمون إلى الطبقة العاملة. وهذا صحيح بالنسبة للطوائف الأخرى. يمتثل الوضع اليوم مع التعريف الماركسي الكلاسيكي: النظام الرأسمالي ينتج نهايته بنفسه، أي انه ينتج طبقة عاملة ذات أغلبية واضحة في المجتمع، بغض النظر عن تقسيمها الطائفي، تتناقض مصالحها مع مصالح النظام نفسه والطبقة الحاكمة التي تمثله.

هذا التغيير يحتّم أن تكون الأسس التاريخية والاقتصادية للنظام الطائفي قد انتهت. لا توجد اليوم طائفة واحدة سبّاقة تاريخياً أو اقتصادياً. بل إن الانقسام الأساسي هو انقسام طبقي وسياسي. وهذا ليس ما يقوله أحد اليساريين أو الماركسيين، بل هو التحليل نفسه الذي يتبناه منظمات رأسمالية دولية للواقع اللبناني.

حسب "ماريان الخوري" من البنك الدولي: "إن الانقسام الطبقي هو الانقسام الأساسي في المجتمع اللبناني ولكنه مشوه بسبب الطائفية" (هوغو بانيزا وماريان الخوري، "الحراك الاجتماعي والدِّين: أدلّة من لبنان"، موقع شبكة البحوث الاجتماعية).

يكمل التقرير بأن " لبنان يتسم بنسبة ضئيلة جداً من الحركية الاجتماعية (الارتقاء الاجتماعي) مقارنة بالمجتمعات ذات الموقع الأدنى في العالم كدول أمريكا اللاتينية، ويلاحظ أيضا أن الحركية الاجتماعية هي أعلى عند الطائفتين الشيعية والمارونية وهي الأقل عند المسلمين السنة (باستثناء اللاجئين الفلسطينيين) والطوائف المسيحية الأخرى. ويضيف التقرير "إن هذه الحركية ضئيلة عند السنة ويعود ذلك لتصرف الطبقة الوسطى والطبقة البرجوازية داخل هذه الطائفة".

وللإيضاح، يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في مجال وضع تخطيط استراتيجي للحماية الاجتماعية في لبنان في العام 2002 أن 39% من الشعب يتشاركون في 13.4% من الناتج القومي فيما 14% يسيطرون على 43% من الناتج القومي. 762 (أقل من 1%) من أصحاب الحسابات في القطاع المصرفي يسيطرون على 50.5% من المجموع العام المقدر بـ16 مليار دولار و47% يتشاركون في 2.3% من المجموع العام.

هذا يبرهن أن لبنان ليس بحاجة إلى مصادر مالية بل بحاجة إلى توزيع عادل للثروات وتوزيع للقدرات المنتجة، وإن الفروقات بين الثروات أكبر بكثير من الفروقات في المدخول، مما يعني أن الصراع الطبقي في لبنان موجود بشكل صارخ.

وفي تقرير حول الفقر في لبنان، يقول البنك الدولي أن القدرة الشرائية للعائلة النووية في لبنان في نهاية العقد الماضي هبطت بحوالي 30% مما يعني أن العائلة اللبنانية تكسب من المال ما يكفيها لتعيش الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر فقط.

دراسة أخرى تقول بأن 80% من الأكثر ثراءً في لبنان لا يعملون ولكنهم يعيشون على فائدة ثرواتهم المكدسة؛ هم أسياد النظام الطائفي ولكنهم يتنصلون من تبعاته الاجتماعية والاقتصادية.

ما هي جذور الانقسام الحالي؟

في ظل هذا، نرى أن الانقسام في الشارع اللبناني يتعدى الخلاف بين 14 آذار والمعارضة، وأن الوقود الأساسي لهذا الصراع هو طبقي ولكنه مشوه بفعل النظام الطائفي وعدم قدرة الطرفين المتصارعين لوضع الصراع في مكانه من الواقع الاجتماعي الاقتصادي.

أيضاً وأيضاً، لم ينتج الانقسام الحالي بعد اصطفافاً لطوائف ضد أخرى. بل نرى انقساماً داخل كل طائفة من الطوائف على أساس سياسي أو على أساس الانتماء إما للمعارضة أو لقوى السلطة. ربما لا يكون انقساماً متوازياً في كل الطوائف، ولكن ليس هناك سبب ليكون كذلك، ونرى الخطاب الشعبوي للمعارضة يستقطب أغلبية الطائفتين المارونية والشيعية الذي هو ناتج عن النسبة المرتفعة نسبياً للحركية الاجتماعية (كما ذكرنا سابقاً) مقارنة بحركية متدنية للطائفة السنية والتي هي نتاج لسياسة الطبقة العليا في الطائفة السنية. فآل الحريري يتعاملون مع العمال السنة وكأنهم ملكاً للعائلة، وسياسات تشغيل رأس المال وتسخير خدمات الدولة على مستوى الطائفة هو من الأسباب الأساسية لإنشاء انقسام طائفي ما بين السنة والشيعة. تماماً ما فعلته الطبقة الحاكمة عند الموارنة وأيضاً ما حاولت فعله الطبقة الحاكمة عند الشيعة في عهد الحريري الأب.

إن أي طبقة حاكمة أكانت مارونية أو شيعية أو سنية أو درزية سيكون دائماً هدفها أن تعزز أي انقسام موجود إن كان طائفياً، قومياً أو طبقياً من اجل حماية نفسها، وإبقاء مكانتها في الحكم.

والانقسام الطائفي تعززه كل من الزعامات السياسية الموجودة، وهو يتضح أكثر وأكثر وخاصة في ظل غياب واضح لمشروع مناهض لحركة عمالية تكسر القيود الطائفية المفروضة على الطبقة العاملة وتتجه نحو صراع مباشر مع الطبقة البرجوازية الحاكمة.

وهنا يأتي دور اليسار الفعلي في الدفع لبناء وإنشاء هكذا حركة تستطيع أن تواجه الأزمة بالتخلص من أسبابها وليس فقط من عوارضها.

كل من المعارضة والمولاة ينظر إلى الأزمة كونها أزمة حكم، أزمة تتعلق بمن يجب تنصيبه وكيفية تقسيم الحكم ما بين أعضاء الطبقة البرجوازية. وهنا علينا أن نقارب المسألة من كوننا ماركسيين ويساريين أي أننا لسنا في مكان وسط ما بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية، بل علينا مقاربة الصراع من مكاننا الطبيعي فيه، أي الطبقة العاملة.

بين مناهضة الامبريالية ومناهضة الرأسمالية

لطالما كان هناك ترابط عضوي ما بين الطبقة الحاكمة العربية والامبريالية وربما لبنان هو اكبر دليل على ذلك. كلنا يعرف مدى ترابط الطبقة الحاكمة اللبنانية والامبريالية، الصغيرة منها والكبيرة، الإقليمية منها والعالمية. لذا فإن حركة المقاومة لا يمكن لها أن تكون محلية فقط بل عليها أن تمتد لأن تكون حركة مقاومة تضم شعوب المنطقة ككل. وهنا تترابط عملية مناهضة الديكتاتورية ومناهضة الامبريالية. ولا يكفي أن تكون هذه المقاومة في الإطار العسكري فقط بل عليها أن تمتد إلى مقاومة اقتصادية واجتماعية للامبريالية وحلفائها المحليين من البرجوازية العربية.

يقول ماركس "إن تحرر الطبقة العاملة، هو نتاج الطبقة العاملة نفسها". نسي الكثيرون في اليسار ما تعنيه هذه المقولة. بناء الحركة لا يمكن أن يكون فعلاً إسقاطياً في المنطق ولا في المسار ولا في الخطاب، بل إن عملية البناء تبدأ أولاً بلملمة تجارب الناس والعمّال في واقعهم اليومي، تبدأ بإنشاء شبكات تضامن بين الناس والعمال، تستطيع من خلالها أن تتشارك في الأفكار وبناء النضال من الخصوصيات اليومية وصولاً إلى الأهداف التاريخية المشتركة. هذه هي العلاقة العضوية بين الأهداف المباشرة للحركة وأهدافها التاريخية.

النضال يبدأ بقراءتنا للواقع كما هو والعمل ضمن التناقضات لتبيان فشل وعدم قدرة النظام على تلبية حاجات الناس وعدم قدرته على إنهاء الاستغلال والقمع. هنا نبدأ ببناء الخطاب السياسي؛ ننطلق من الواقع لإقناع الناس في البناء من أجل التغيير المباشر. يصبح الخطاب نتيجة لحركية الناس العاديين والعمال والطلاب من ضمن الحركة. فالتراكم ليس عملية في البناء التنظيمي فقط، بل هو عملية في بناء الحركة نفسها، هو حركية عضوية تسعى إلى إقناع الناس بضرورة الانضمام إلى الحركة والنضال سوياً من أجل تحقيق التغيير.

مع السيرورة العملية والمسار السياسي الذي تقوده الحركة عبر حركية فكرية وسياسية وتنظيمية داخلية، يصبح الهدف التاريخي أكثر وضوحاً في شكله وفي تعبيره المباشر عن حاجة الحركة في التغيير. ونعود إلى ماركس وإلى صلب الديالكتيكية المادية؛ عملية التحرر ليست نتاجاً طبيعياً للطبقة العاملة بل هي تنتج عنها في فعل نضالها ضد الطبقة الحاكمة. هي نتاج لعملية الصراع ولعملية البناء من ضمن الطبقة العاملة في آن واحد.
"
إن الأفكار السائدة في المجتمع هي أفكار الطبقة الحاكمة، وإن تحرر الطبقة العاملة هو نتاج للطبقة العاملة نفسها". التناقض هنا ليس موجوداً في رأس ماركس، بل هو تناقض في المجتمع والواقع نفسه الذي نعيشه. إن مهمة الحزب الثوري هي العمل ضمن هذا التناقض، أي البناء بفعل النضال الطبقي، وليس العمل على انتظار تأجج الصراع الطبقي من تلقاء نفسه، وليس أيضاً انتظار الطبقة العاملة لتحرر نفسها "عفوياً"، بل إن صلب التحرر هو انخراط الحزب عضوياً في الطبقة العاملة والعمل على تأجيج الصراع الطبقي والنضال، وفي نفس الوقت مراكمة الخبرات التي تنتج عن نضال الطبقة العاملة.

هذا التراكم هو صلب عملية التحرر. الثورة تصنعها الطبقة العاملة لا الحزب. دور الحزب يأتي في صياغة قيادة ثورية من خلال البناء داخل الطبقة العاملة من دون إسقاط القيادة عليها أو على حركة ناشئة. فعل الإسقاط بحد ذاته هو إنهاء للحركة وليس استكمالاً لها. يأتي ليدمّر ما بنته الحركة من قيادة وحركية ليستبدل بقيادة غريبة لا تستطيع أن تقتنع الحركة بها، تندثر الحركة وتُستبدل بالحزب.

إن تأجيج الصراع الطبقي في كونه عملية لكسر القيد الطائفي وردع التوسع الامبريالي لا يكفي أن يكون في إطار سياسي عام بل عليه أن يكون ذات إطار عملي لا ينظر إلى الواقع الطبقي في إطاره اللبناني الضيق بل يقرأ الواقع الطبقي في إطاره الواسع والعالمي، أي إن الطبقة العاملة المعنية بالتغيير في لبنان ليست فقط الطبقة العاملة اللبنانية بل كل الطبقة العاملة في لبنان من فلسطينيين وعراقيين وسوريين ومصريين وسيريلانكيين وإثيوبيين... إن عملية التحرر هي عملية شاملة تسعى إلى كسر القيود الطائفية والعنصرية كافة. الطبقة العاملة "اللبنانية" عليها السعي لبناء تحالف طبقي يهدف إلى توحيد الطبقة العاملة كلها في صراعها ضد البرجوازية المحلية منها والإقليمية والامبريالية العالمية.

العودة إلى الشارع

نحن في أمسّ الحاجة إلى دفع عملية البناء إلى الخارج، إلى خارج قاعات الاجتماعات وإلى خارج الأطر الكلاسيكية. عملية البناء تبدأ بالتخاطب مع الناس في الشارع وليس في مراكز الحزب.

الحزب هو جامعة الحركة، هو المكان الذي تُراكم وتُحلل فيه التجارب، هو يشكل في عضويته تاريخ الحركة وإرثها الفكري والسياسي، ولذا على اليسار اليوم الخروج من قوقعته ومنطقه الدفاعي والأخلاقي وأن ينظر إلى الواقع كما هو، في سيرورة تغيّره وليس ككمّ غامض وجامد.

وبناء المقاومة يسعى إلى الجمع ما بين عملية التحرير والتحرر في آن معاً. التحرر هنا لا يعني عملية صناعة الديمقراطية فقط، بل هو عملية بناء منظومة ومشروع مقاومة على جميع الأصعدة، من واقعها الطبقي والاقتصادي إلى واقعها السياسي والاجتماعي، وخطّها التحريري. وكما يقول لينين "إن من يبني نصف ثورة فهو كمن يحفر قبرها".

إن الثورة شاملة، لذا فمشروع المقاومة هو مشروع شامل، وإن مساندة المقاومة أو الدفاع عن سلاحها لا يكون في الخطاب والمسار السياسي البحت، بل يكمن في عملية بناء منظور أشمل ومقاومة أشمل. مقاومة ضد السياسات الاقتصادية، مقاومة ضد القمع والاستغلال، مقاومة ضد الاضطهاد الاجتماعي والعنصرية والتمييز، مقاومة ضد الاحتلال والديكتاتوريات. مقاومة الناس والعمال ضد جبروت رأس المال وما ينتجه من إمبريالية وحروب.

الحركات الإسلامية وحزب الله اليوم تمثلان خطّ المقاومة البديهي، وهي المقاومة العسكرية للاحتلال والعدوان، ولكنها لم تتمكّن ولن يكون بمقدرتها بناء مقاومة شاملة. هنا يكمن دور اليسار في بناء المقاومة في شموليتها وكلّيتها، مقاومة عمالية ضد الفقر والاستغلال، ومن أجل الديمقراطية والتحرر الاجتماعي. هذه المسارات لا تنفصل عن بعضها البعض. اليوم المعركة واضحة، من جهة تحاول السلطة بناء نفسها مجدداً في "حرب على الإرهاب" صيغت أميركياً وتدعمها كل أنظمة القمع والاستغلال في المنطقة والعالم.

على اليسار أن يقرأ جيداً محاور الصراع الذي نخوضه، لا أن يستسلم للمواقف الوطنية الرثة. الوطنية تصبح جريمة عندما تُبنى من خلال حرب السلطة على الشعب والعمال. معركتنا اليوم هي كما كانت سابقاً هي معركة الطبقة العاملة في لبنان من اجل التحرير والتحرر، ومعركتها تبدأ أولاً في التحامها مع الطبقة العاملة الفلسطينية من أجل حقوقنا المدنية والسياسية جميعاً، هي معركة التحامها مع جميع العمّال والعاملات من سوريا والسودان وسريلنكا ومصر ومن أي جنسية كانوا، من أجل النضال ضد القمع والاستغلال والاضطهاد.

معركتنا واحدة لأن عدوّنا الطبقي واحد، معركتنا واحدة لأن الاستغلال والقمع لا يفرقان بين جنسية وأخرى. هدف الرأسمالية هو الربح، ولا يهمها إن كان المال يأتي من جيب لبناني أو فلسطيني أو إثيوبي أو مصري أو سوري...

لقد شهدنا مؤخراً كيف تتعامل الطبقة الحاكمة بعنصرية تامة ضد كل من يعترض طريقها، فكان الهجوم الأخير ضد الفلسطينيين من خلال معركة نهر البارد، وإن كان اليسار ما زال يبحث عن الأممية فهي موجودة اليوم في لبنان. هناك عمال وعاملات من جميع الجنسيات والأطياف، وبناء الطبقة العاملة العالمية لا يبدأ بتحالفات برجوازية عالمية، بل بتحالفات عمالية طبقية، فلنبدأ اليوم بإنشاء تعاضد طبقي وصراع طبقي أممي ضد سياسات القمع والتجويع، ضد سياسات الحرمان والاستغلال.

الحرية تبدأ بالتحرر من المفاهيم والسياسات البرجوازية وليس باعتناقها. لقد برهن المنطق القومي/الوطني فشله في صناعة التغيير في لبنان، أو في صياغة التحرر. لكن ما هو ثابت أن الارتكاز الأول في صناعة التاريخ هو الصراع الطبقي، وقد وحان الوقت لأن نخرج من قوقعة المفاهيم البرجوازية العفنة والتوجه نحو الصراع وليس الهرب منه أو تهدئته. فالتاريخ تبنيه الشعوب لا الأنظمة.

بيروت في 15 آذار 2008

Sunday, February 24, 2008

نحو حركة عمالية ثورية في لبنان

باسم شيت

"لن نختبئ وراء الرغيف، هذه الأمور تعود للنقابات. المعارضة لديها الجرأة في خوض التحركات تحت عناوين سياسية. المشاركة حق وسنواجه بالحق السياسي، ولدينا ملء الثقة بمن يمثلنا في التفاوض." (الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله في خطاب اليوم العاشر من عاشوراء في 19/1/2008)

لن "يختبئوا وراء الرغيف" فهناك أمور أهم يسعون إليها، الرغيف أمر ثانوي أمام الحقائب الوزارية وأمام تركيبة الحكومة الآتية، الرغيف ثانوي أمام الفراغ الرئاسي.

ربما من يستطيع الإجابة على هذه العبارات للسيد حسن نصر الله هو أحد الأعضاء البورجوازيين لمجلس الشعب المصري في العام 1942: "لقد وقفنا على هذه المنصة من قَبل وحذّرنا الحكومة من خطر الجوع، ولقد صدق من قال أن الجوع كافر لا يعرف المساومة ولا التهذيب. من يقرأ التاريخ قد يعرف إن الجوع كان السبب في الكثير من الثورات، وإن كان التاريخ يقول لنا إن الشعب الثوري في أحد أكبر مقاطعات أوروبا صرخ يوماً من الصميم "نريد الخبز"، فلقد سمعنا صرخات مماثلة وبنفس النبرة قبل نهاية عيد الأضحى في شوارع القاهرة، صرخات صدرت من أفواه الجياع وهم يهاجمون عربات الخبز من أجل الحصول على الطعام" (جريدة المصري 6 كانون الثاني 1942).

وكما صرّح المتحدث المصري، فالجوع كافر ولن يميّز ما بين كرسي رئاسي أو حقيبة وزارية، ولن يميّز ما بين حق سياسي أو حق في المشاركة. إن المعارضة اللبنانية طالما جاهرت بكونها تمثل الأغلبية الشعبية بمواجهة أغلبية الموالاة الوهمية. ها هي اليوم تسقط أمام مصلحة وهموم الناس، وتختبئ وراء الفراغ (بما للتعبير من دلالة رمزية) والأزمة السياسية. تترفع عن الرغيف، ترسم الجوع بألوان زاهية، تلطّفه وتطرحه كسؤال عرضي، يضحّى به أمام الأسئلة "الأهم"، أسئلة حول الوطن والشراكة مع "الآخر"!

هم أسمى من أن يتكلموا عن الجوع ولقمة العيش، هم أسمى من أن ينظروا بالأمور الحياتية لأغلبية الشعب، هم أسمى من صرخات طفل جائع، وهم أشرف من أن ينظروا في عيني امرأة خسرت جميع أفراد عائلتها من أجل تحرير الوطن واليوم تقف تبيع المحارم الورقية للسيارات حتى تستطيع أن تحصل على ما يطعمها؛ فالسيد من سلالة النبي، وعون أرسله الله لنا، المنقذ، ديغول لبنان! أما نبيه بري، فهو المقاوم المقاول، والأستاذ والشاعر.

يريدون الشراكة مع من ينفّذ السياسة الأميركية في لبنان، مع من تناول الطعام مع كوندوليسا رايس بينما كانت الطائرات الإسرائيلية الأميركية تقصف وتقتل الآلاف، يريدون الشراكة مع من سمّوه الشيطان الأكبر.

من دون خوض في نقاش تفصيلي، فإن كانت المعارضة تقول أن قوى الموالاة هم دمى بأيدي الولايات المتحدة، فلماذا يريدون الشراكة معهم؟ لماذا يريد المقاوم أن يضع يده بيد العميل؟ السبب بسيط، لأنهم لا يريدون أن يواجهوا الشعب عندما يغضب بمفردهم. هم يرون أن على الطبقة الحاكمة أن تتحد في مواجهة الغضب الشعبي، ولا أن تكون منقسمة؛ فالأيام القادمة قد تكون صعبة على الطرفين، فإنهم يوماً بعد يوم يفقدون السيطرة على الشارع، وأحداث الضاحية الجنوبية احتجاجاً على قطع الكهرباء ليست إلا أولى الدلائل على ما يقود إليه الوضع في لبنان؛ أما الموالاة فردّها ينم عن درجة من الغباء الحاد الناتج عن مخ غليظ فقد القدرة على الاستيعاب، أو أنه يراهن على دعم إمبريالي عسكري إذا ما اشتد الوضع سوءاً.

بأية حال إنهم جميعاً يريدون الوحدة الوطنية ويريدون دولة قوية وأمنا قوياً ويريدون المشاركة! أسمع هذا شعارات فأنبهر وتشتد السحب الماطرة فوق رأسي.
إن كان همُّ الطبقة الحاكمة التشاركية، فلماذا لا يشاركوننا في ملياراتهم وموائدهم وسياراتهم؟ لماذا تُفصَل لقمة العيش عن التعايش الوطني ومبادئ المشاركة؟ لماذا تحدد المشاركة في السياسة فقط، ولماذا ينتفي المفهوم عند حدّ لقمة العيش؟ لماذا يفصلون الشارع في معارضة وموالاة، ولا يفصلونه في انقسامه ما بين غني وفقير، ما بين مستغِل ومستغَل؟

ألا يحق لنا أن نعيش؟ أو أن هذا البلد بني لهم فقط؟ ألا يحق لنا بحصة من الحصص المعروضة؟

عندما كان السيد حسن يخطب هذه الكلمات بالجماهير، أيا ترى، هل كان جائعاً؟
يقولون أن الفراغ والأزمة السياسية هما السبب في الواقع الاقتصادي الاجتماعي المتردي، ولكننا لا نرى أحداً منهم فقد عمله أو لم يبقى لديه المال الكافي لإتمام الشهر، أو اضطر إلى التوسل؛ بل نراهم يتربعون في فندق الفينيسيا حيث سعر الإقامة للّيلة واحدة في غرفة متواضعة تصل نحو 320 دولاراً، أي ما يعادل 160% من الحد الأدنى للأجور، وفي الأسبوع الواحد، تصبح كلفة الإقامة للشخص الواحد تعادل ما يحصّله عامل واحد في سنة كاملة. ثلث الشعب اللبناني يتقاضى أقل من 200 دولار شهرياً، أي إن 20 نائباً ممن يقطنون الفينيسيا، يصرفون أسبوعيا ما يعادل ما تحتاجه 56 عائلة شهرياً من المال لتعيش. هذا إذا افترضنا أنهم لم يستأجروا الجناح الملكي.

أتصرف هذه الأموال من خزينة الدولة أو من أموالهم الخاصة؟

إن واقع الأزمة اليوم ليس في الفراغ السياسي والدستوري بل في قلة من الناس تسيطر على حياة الملايين. هناك قلة رأسمالية تسلب منا حقّنا في الحياة الكريمة. "الفرق واضح"، ويوماً بعد يوم سوف تتحول صرخات الألم إلى ضربات موجعة، ولن يبقى بأيدينا سوى الحجارة. هل سنرميها على بعضنا البعض أم عليهم، على من سلب ونهب وقتل، على من يهدد حياتنا وقُوْتنا؟

السؤال بسيط لكن القرار يبدأ من اليوم، إن كنا مسيحيين أو مسلمين أو من أي طائفة، هناك حقيقة أكيدة وهي أن نعاني جميعاً، جميعنا ناقم على واقع تعدّى حدود التحمّل والصبر، واليوم لا يفرّقنا سوى الزعامات البرجوازية. لا حجة لديها لنكون متفرقين. إن واقعنا واحد وإن اختلفت المنطقة، الطائفة أو اللون أو الجنسية. الفرق الأساسي في البلد هو بيننا وبينهم، هم أصحاب القصور والسيارات الفخمة والأموال الطائلة ونحن أصحاب الجيوب الفارغة.

"الفراغ" يمكن ملؤه بصراعنا من أجل حياة أفضل، يمكن ملؤه بالتظاهرات والتحركات والاضرابات والنضال ضد الفقر والظلم. ويمكن أن نسدّه إلى الأبد بانتصار الطبقة العاملة على النظام وتسخيره لمصلحة الناس والعمال بدل أن يكون في خدمة أصحاب الرساميل والبرجوازيين.

ربما يردد الكثيرون إن هذا الأمر لن ينجح، ويبررون أن الطبقة العاملة ليست قادرة على المواجهة وليست متوحدة، وليست مدركة لقدرتها التغييرية. لكن الطبقة العاملة تحقق وتبني قدرتها ووعيها لنفسها من خلال المواجهة، فتحرر الطبقة العاملة هو نتاج الطبقة العاملة نفسها.

بالإضافة، فإن المشاريع التي عملت على إنتاج تحالف البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة جميعها انتهت بضرب الطبقة العاملة وتدميرها وتقسيمها. ألم يحن الوقت لأن تستلم الطبقة العاملة، والتي تضم اليوم حوالي 70% من الشعب بينما الطبقة البرجوازية لا تضم سوى 5% من اللبنانيين؟ ومقارنة مع السبعينيات حيث أن الطبقة العاملة حينها كانت تضم حوالي 63% من الشعب والطبقة البرجوازية تضم حوالي 8% من اللبنانيين؛ نرى بشكل واضح أن التنافر الطبقي يزداد وأن الرأسمال الوطني أخذ ينحسر أكثر وأكثر في أيدي قلّة من الناس. واليوم، بعد حرب تمّوز وغلاء الأسعار المتصاعد، لا بد لنا أن نستنتج أنه سيكون هناك انحسار في الطبقة الوسطى التي تضمحل شيئاً فشيئاً، مما يزيد في التناقض الطبقي. دعونا لا نكرر الكثير من الإحصائيات التي قد تجدونها في عدد من الصحف وفي الأعداد السابقة وهذا العدد من المنشور.

فالفروقات الطبقية المتزايدة تنذر بظروف مادية ثورية، وليس أمامنا سوى أن نثور أو أن تنتصر الرجعية البرجوازية أو ندخل في العنف الأهلي أو الشغب. التراجع هنا هو هزيمة سوف تبطش بنا من الخلف، فإن تركنا هذه الطبقة البرجوازية تستمر فسوف تقودنا إلى الهاوية.

الوضع في لبنان ليس بعيداً عما يجري في المنطقة ككل. يمكننا أن نرى بوضوح واقع البرجوازيات العربية الأخرى وتناقضها مع واقع شعوب المنطقة. فمن مصر والسعودية إلى الأردن والعراق وإيران، وصولاً إلى لبنان وفلسطين وسوريا، نرى تصرف البرجوازيات الوطنية مماثلاً. كلهم يسعون إلى بناء تحالفات مع الامبريالية أو ينفذون جميع الأوامر الصادرة عن الإمبريالية لإرضائها؛ من محمود عباس الطفل المدلل لدى البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي وحسني مبارك الشرطي العنيد للسياسات الأميركية والملك الأردني الذي يكاد أن يكون الناطق الرسمي باسم الإمبريالية. ربما يكون هذا التعداد كاف، ولكنْ، تحت حجة الإنصاف وجب ذكر الجميع؛ الملك السعودي خادم الحرمين الشريفين كما هو خادم آلة القتل الأميركية؛ والسلطة العراقية التي بنيت على أشلاء الأبرياء والمنازل المهدمة.

أما دول الممانعة، فماذا تمانع؟ ممانعة المقاومة وممانعة الحقوق والحريات والعيش الكريم؟ أسد يقتات من جيوب الفقراء ويبني مجده على البطش؟ وفي إيران تجد السلطة الحاكمة هناك إن المقاومة تبدأ بضرب وقمع التظاهرات العمالية والطلابية.

كما نعرف جيداً، كلّهم من أصحاب المال والأملاك، فلا أحد غريب عن مصاريف العائلة المالكة السعودية. تقدر ثروة العائلة تلك بحوالي التريليون دولار، ولا يتعدى عددهم السبعة آلاف، وبينما 30% من السعوديين عاطلين عن العمل. أما في مصر، فحدّث بلا حرج؛ ما يزيد عن 43% من المصريين تحت خط الفقر، بينما يتمتّع آل مبارك بالقصور. والوضع يتكرر في جميع بلاد المنطقة.

لكن الانتفاضات الشعبية قد بدأت، في مصر والخليج وإيران والأردن ولبنان وسورياً. يوماً بعد يوم، تزداد التحركات والإضرابات العمّالية احتجاجاً على الواقع المرير. لكن هذه الانتفاضة بحاجة إلى دعم وإلى بناء نفسها كحركة تغييرية في المنطقة. وهنا يكمن دور اليسار الثوري في تأجيج هذه الحركة الثورية حتى تفرض نفسها على الساحة السياسية المحلية والإقليمية، هذه الحركة لن تأتي راكضة نحو اليسار بل على اليسار الثوري أن يستحصل على ثقة الطبقة العاملة من خلال الصراع والمواجهة.

لكن الأحزاب الشيوعية في المنطقة كانت ولا تزال تلتزم بهدنتها وتغطيتها على الطبقة البرجوازية؛ فمنذ بعضة أيام مثلاً، يرد أحد الشيوعيين في نقاش حول الوضع الاقتصادي الاجتماعي: "علينا أن ننتظر حتى يصبح لدينا دولة قوية، وتنتفي الطائفية حتى يسعنا حينها التوجه نحو الصراع الطبقي". وتأكيداً على هذا النهج، يلخّص الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة في 26/11/2007 الأزمة الراهنة بالتالي: "لقد سبق لحزبنا منذ أكثر من سنة ونصف، أن شخص أزمة البلد الراهنة، وتختصرها أزمة مؤسساته الدستورية الثلاث: رئاسة للجمهورية ممدد لها ومشكوك بشرعية شاغلها من قبل نصف اللبنانيين، حكومة مشكوك بدستوريتها من قبل النصف الآخر، ومجلس نيابي معطل ومطعون بتمثيله قانوناً وممارسة وتوزعاً. واقترحنا في حينه مبادرة إنقاذية، تطرح حلاً متزامناً للأزمات الثلاث، يرتكز على تشكيل حكومة إنقاذ وطني يكون تنفيذ بنود اتفاق الطائف الإصلاحية أساس برنامجها وتوجهه."

في مواجهة الانقسام داخل الطبقة البرجوازية الوطنية (ما بين معارضة وموالاة)، ينظر الحزب الشيوعي اللبناني إلى الحل في توحيد البرجوازية الوطنية. لا أظن أنه يتطلب تحليلاً كبيراً لنعرف على أية ضفة من الصراع الطبقي يضع الحزب نفسه.

لكن دعونا لا نظلم الحزب كثيراً، فهو فعلاً مرّ على الوضع الاقتصادي الاجتماعي وطرح حلاً: "إنشاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي، بعد إعادة الاعتبار لدوره الذي خطفته الحكومات المتتالية لتسهل تمرير سياساتها الاقتصادية المدمرة للاقتصاد الوطني، والمنتج منه بشكل خاص، وإحلال محله اقتصاد طفيلي غير منتج مرتبط بالنيوليبرالية ومنفذ لسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين مما أوقع لبنان تحت دين يقارب الخمسين مليار دولار ملقى على عاتق الشعب اللبناني، الأمر الذي أدى إلى تدمير القدرة الشرائية للفئات الشعبية وأوقف تطور أجرها رغم تصاعد الغلاء بسرعة جنونية، وعمل على تدمير مستقبل شباب لبنان بإقفاله فرص العمل أمامهم ودفعهم إما إلى الهجرة أو جعلهم فريسة الارتزاق عند هذا الزعيم أو ذاك" (الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة في 26/11/2007).

الحل لتنامي التنافر الطبقي في لبنان هو عبر إعادة الاعتبار لدور الدولة في أن تكون الحكم ما بين العمال وأرباب العمل، فالدولة ليست بأداة بورجوازية، بل إنها الطرف المحايد في سيرورة الصراع الطبقي. هذا النهج ليس بجديد على الحزب، بل إنه النهج الستاليني نفسه منذ الأربعينات. إذ طالما هناك تهديد امبريالي، يصبح الواجب الوطني الأول هو الوحدة الوطنية وتنكفئ المصالح الطبقية العمالية إلى الدرجة الثانية.

ربما قد يرى البعض أن نقد الحزب الشيوعي هو سابق لأوانه أو أنه يقع في إطار تفرقة العناصر الأساسية لنشوء حركة تغييرية في لبنان، لكن إنشاء وبناء حركة تغييرية في لبنان يقتضي أولا أن تكون هناك قناعة بقدرتنا على التغيير. لكن الحزب الشيوعي يسقط كلّ مرة أمام امتحان المبادرة والتصعيد في الصراع الطبقي، ويلتفّ وراء المصالح الطبقية ويبدأ بإعطاء النصيحة للطبقة البرجوازية في كيفية إدارة البلاد وطمر التناقضات الطبقية.

لكن ما وصلنا إليه اليوم من تردّ في أوضاعنا المعيشية في ظل حكّام كهؤلاء لا يسمح لنا مجالاً للمهادنة مع الطبقة البرجوازية الحاكمة أو التوسل إليها. فقد كان ردّ السلطة على مطلب زيادة الحد الأدنى للأجور بأنه "مستحيل" وأنه يُبعد الاستثمارات. إنهم مستعدون لجعلنا نعمل كالعبيد، فقط من أجل زيادة الرأسمال الأجنبي، حتى يستطيع استغلالنا لأقصى الدرجات وإنتاج أعلى نسب أرباح.
َ
من قال إن الدولة لخدمة الشعب. يسقط هنا القول أمام قوة المثل؛ إن الدولة ليست إلا أداة للطبقة البرجوازية لفرض سيطرتها على الطبقة العاملة، وها هي اليوم قد سلّحتها الامبريالية بأحدث الأسلحة والمعدات كي تتمكن من الدفاع عن نفسها، وتجاهر هذه الطبقة بالضرائب والغلاء غير آبهة بأوضاع الناس.

اليوم الكلمة الأولى تقال في الشارع، لا في إطار المساومة أو التواضع، بل في إطار المواجهة والنضال. إن تحرّك 24 كانون الثاني يجب أن يكون البداية لانطلاقة مسيرة نضال عمّالي جدّي ومباشر ضد السياسات الحكومية وضد هذه البرجوازية التي تتربع على أكتافنا منذ عقود.

إذا تراجعنا اليوم، من الممكن أن يُستعمل "الحل السياسي" كأداة للبطش والقمع، وأن تتوافق المعارضة والموالاة على إسكاتنا جميعاً، أو أن يستعملوننا كأداة لتصفية حساباتهم. إن البرجوازية الوطنية لم ولن تقود أبداً مشروعاً تحررياً أو ذا منفعة شعبية، بل ستستمر بنفس النهج الاقتصادي والسياسي الذي يسعى إلى إضعافنا وإسكاتنا يوماً بعد يوم. فإن كانت المعارضة تناصر جمهورها فعلاً، فكان الأجدى بحزب الله أن يدعم التحركات الاحتجاجية على الكهرباء وكذلك التيار الوطني الحرّ، وأن يؤججا المسألة في الضواحي الأخرى لبيروت. ولكنهم يخافون من أن تفلت من سيطرتهم وأن يجد الشارع قيادة تمثله حقاً بدلاً عنهم.

لكنْ، علينا توفير كامل الدعم والانخراط في التحركات العمالية والعمل من خلالها من أجل تنظيم حركة تسعى إلى التغيير وفرض نفسها على الساحة السياسية، وليس الترجّي والتسوّل لدى البورجوازية. فمن الخطأ التغطية على الانقسام الطبقي، بل يجب إبرازه أكثر فأكثر لتصب دفة الصراع السياسي في مصلحة الناس لا على مصلحتهم.

Wednesday, December 12, 2007

الصراع الطبقي اساس التغيير

(باسم شيت)

كلّما تحدثنا عن التغيير، يأتي أحدهم، ويبدأ بالدفاع عن واقع الحال، يبدأ بالشرح وبالعرض والتحليل "إن الواقع والمجتمع الذي نعيش فيهما غير قابلَين للإصلاح أو التغيير". ثم يخطو ميلاً إضافيا ليرمي بغضبه وسخطه على الناس، كونهم يتلهون بأمور "ثانوية" ولا يهمهم مصلحتهم أو مصلحة "البلد".
المرهق في الموضوع أن علينا أن نسمع هذا الخطاب من كثير من اليساريين والشيوعيين، الذين يثورون يومياً، ولكنهم في نفس الوقت يركعون أمام الواقع ويبررون الخنوع والانهزام. وكما قال ممثل أحد الأحزاب اليسارية العريقة في أحد المؤتمرات الأممية، إن "الناس ملهيين بالخبز والملح ونسوا القضايا الأساسية".
ولكنني ظننت دائماً أن القضية هي الخبز والملح؟! أليس هذا هو المطلب الذي رفعه عمّال وشعوب العالم مطالبين بحياة وعالم أفضل؟

وجهان لعملة واحدة

غريب أن يُعَرَّّف اليسار في هذه الأوقات إما كملحق بالسلطة أو كملحق بالنظام. الفرق بين الالتحاقين هو فرق لوجيستي، ولكن الهدف هو نفسه. مثلاً، كل من اليسار الديمقراطي والحزب الشيوعي يسعيان بشكل واضح إلى عملية تغيير من خلال النظام نفسه، أحدهما التحق بالقوى المسيطرة على السلطة، والآخر ما زال ينتظر لأن يدخل السلطة بطريقة من الطرق.

وما يبدو واضحاً هو أن اليسار اللبناني قد فقد الأمل من الشارع والطبقة العاملة، وقرر تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية من خلال النظام نفسه، أي من خلال تحالفه المباشر والنظري مع الطبقة الحاكمة.

فكل من الحزب الشيوعي واليسار الديمقراطي، في نظرتهما إلى عملية التغيير، يشكّلان وجهان للحالة ذاتها. كلاهما يريان التغيير كعملية فرض لواقع جديد وأفضل من خلال السلطة. كلاهما يريان بشكل علني أو ضمني أن الشارع فقد القدرة على التغيير أو أنه غير قادر أن يعي مصلحته، لذا، يحتّم عليهما بأن يقوما بهذا الدور نيابة عنه.

بالنسبة للطرفين، تشكل الانتخابات الوسيلة المباشرة من أجل تحصيل الشرعية النظمية للتغيير، فالثورة تحولت في مضامينها وشكلها، إلى عملية تلتزم بالقانون، تلتزم بالنظام وبنيته. وإن أراد أحد إثباتات لهذا النهج، فما عليه سوى قراءة أو سماع الخطابات والبيانات الصادرة عن التنظيمين.
اليسار الديمقراطي يجاهر بالتغيير "الديمقراطي"، أي من خلال البرلمان وينظّر يومياً عن أهمية بناء الدولة واسترجاع حقها في احتكار العنف والنظام. أما الحزب الشيوعي فما زال ينادي بالحكم "الوطني الديمقراطي"، أي بنظام تقطنه برجوازية وطنية ونظام ديمقراطي في آن معاً، أي برلماني، ولكنه يشترط أن تكون هذه البرجوازية غير طائفية.

قد يبرر البعض إن الطبقة العاملة حاولت في الـ75 وفشلت، ولذا يحتّم العمل على عملية "إنقاذ" للشعب بدل أن يقوم هو بالتغيير. لكن تجربة الحركة الوطنية بلورت نفسها آنذاك تحت قيادة البرجوازية الوطنية، لا الطبقة العاملة، وذلك لأن اليسار ذهب إلى تصعيد الخطاب القومي العربي على حساب التعاضد الطبقي ما بين الطبقة العاملة اللبنانية والفلسطينية والعربية والعالمية. لذا، لا يمكن أن نقول أن التغيير من خلال الطبقة العاملة فشل، طالما أن اليسار سلم قيادتها للبرجوازية الوطنية.

الموقف من الطبقة العاملة

يقول زياد ماجد نائب أمين سر حركة اليسار الديمقراطي سابقاً: "حتى وإن كان ليس باستطاعتنا تحقيق الدولة العلمانية، هناك أهداف يمكننا السعي وراءها، يمكننا تحقيق برلمان غير طائفي، يمكننا العمل على تأسيس معايير من أجل تأمين استقلالية القضاء، يمكننا العمل على اللامركزية".

من جهة أخرى، يقول الحزب الشيوعي في بيان له في 26/1/2007 "إن حزبنا، يدعو كل شباب لبنان وكل عماله وكادراته ومثقفيه وفنانيه للانخراط في نشاطات تضغط على بقايا الحكومة لتسريع رحيلها، وعلى المعارضة لتصحيح برنامجها باتجاهين متكاملين: مقاومة مفاعيل المشروع الأميركي في المنطقة ولبنان، وصياغة برنامج للإصلاح الديمقراطي ينقذ الشعب اللبناني مما يتخبط فيه من أزمات ويتهدده من مخاطر".

كلا القراءتان تنظران إلى عملية التغيير كمسار إداري ضمن النظام نفسه. فالأول يرى من مكان تواجده في الدولة إمكانية إنشاء مسار تدرّجي للإصلاح الديمقراطي، يبدأ بالقليل والمستطاع. أما الآخر، فيرى أن على المعارضة استلام الحكم بعد إسقاط الحكومة الحالية ثم تنفيذ "مشروع ديمقراطي وإصلاحي".
كلاهما لا يرى في موقفه أي دور للطبقة العاملة في تقديم نفسها كحركة تفرض مطالبها على الواقع السياسي، بل يرونها مناصرةً لطرف برجوازي على آخر، الطرف الذي "تتقاطع مصالحهم" معه، ويُترجم هذا بشكل واضح في خطابهما السياسي. فلدى الحزب الشيوعي يبرز مفهوم "إنقاذ الشعب"، وفي خطاب اليسار الديمقراطي تبرز مهادنة النظام الحاكم "والعمل من خلاله".

المشكلة الأولى هنا أن الخطابين يغيّبان الطبقة العاملة ويعيّنان نفسيهما ممثلين لها، ويعيقان بناء حركة تتمثّل الطبقة العاملة فيها. سبب ذلك هو نظرتهما إلى النظام الرأسمالي اللبناني وكأنه رأسمالية "مشوهة" يجب "تصحيحها". وهنا يأتي تبريرهما لعدم وجود حركة عمّالية في لبنان، فالحاجز الأكبر لتبلور الصراع الطبقي هو النظام الطائفي. وينطلق اليسار اللبناني لمساعدة وتوعية البرجوازية الوطنية حول أهمية إلغاء النظام الطائفي حتى يمكن له (اليسار) بعد ذلك تطوير الصراع الطبقي الذي، حسب ما نعرفه، يهدف إلى تدمير البرجوازية!
هذا المنهج يحدد أدواراً للاعبين الخطأ. يحدد للبرجوازية أهدافاً تتناقض مع مصالحها المباشرة، استغلال العمال من أجل الربح. بالتالي، فمن مصلحتها السيطرة على الصراع الطبقي والطبقة العاملة لا العمل على تحريرها.

حدود الحداثة

هنا يكمن أساس الخطأ في نهج اليسارَيْن، إذ يعتقدان أن الحداثة ومفهوم الدولة الحديثة تحتّم إلغاء الأنظمة الطائفية والتمييزية، ويرونها كشرط أساسي في استنهاض الصراع الطبقي. عند بناء الدولة الحديثة فقط، يصبح الصراع الطبقي مجدياً لأن الدولة الحديثة تحتم النظر إلى الجميع كمواطنين من دون تمييز طائفي.

في كلام لزياد ماجد عن سمير قصير (أحد مثقفي اليسار الديمقراطي) يقول ماجد: "كان معنياً بقضية النهضة في العالم العربي من مفهومين: يستعيد الأول عبد الرحمن الكواكبي وأحمد فارس الشدياق في رفضهما الاستبداد وفي سعيهما إلى مصالحة مجتمعاتنا بالحداثة، والثاني هو مفهوم الجمهورية الفرنسية وما أرسته الثورة الفرنسية من مفاهيم الحرية والمواطنية والتنوّع والعلمنة والتنوّر".
من جهة الحزب الشيوعي يقول كريم مروّة: "بعكس ما ينظِّر له عتاة الرأسمال المعولم، هي (أي الدولة) حاجة موضوعية لتأمين الانتظام الاجتماعي، لكن بشرط أن تتحول بصورة كاملة إلى دولة ديمقراطية حديثة، دولة مؤسسات وقوانين، لكي تكون مؤهلة للتعامل مع المجتمع في تحقيق تلك المهمات المشار إليها. ولن يتم ذلك في بلداننا على النحو الصحيح إلا بفصل الدين عن الدولة" (كريم مروة، عشية أفول الإمبراطورية، أسئلة حول موقعنا في عالم الغد، دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2003، ص 44).

لكن الأنظمة الطائفية المعروفة كلبنان، وايرلندا وفلسطين والعراق، لم تنشأ في عصر ما قبل الحداثة، بل كانت نتيجة امتداد التيار الحداثي في العالم، في شكله الكولونيالي والإمبريالي.

في لبنان، كانت حرب 1860 الطائفية أولى نتائج سياسات فرض الحداثة على جبل لبنان، وكانت الطائفية مقاومة عفوية للمفاهيم الصهرية للحداثة (في دمج مختلف الهويات المجتمعية ضمن انصهار قومي وولاء للدولة). يقول أسامة مقدسي في كتابه "ثقافة الطائفية": "بكلمات أخرى، الطائفية هي معرفة حداثية فيما معناه أنها نتجت في سياق السيطرة الأوروبية والإصلاحات العثمانية، لأن منظريها على المستوى الكولونيالي (الأوروبي)، الإمبراطوري (العثماني) وعلى المستوى المحلي (اللبناني) كانوا ينظرون إلى أنفسهم كحداثيين يستعملون الماضي لإثبات الحاضر والتطورات المستقبلية" (صدر بالعربية عن "دار الآداب").

دور الإمبريالية

في ايرلندا، المثل أوضح، إذا إن الطائفية نتيجة للسياسات المباشرة للسيطرة البريطانية الإمبريالية على ايرلندا، والعمل على التفرقة المنظمّة بين الكاثوليك والبروتستانت. ولم تزل هذه التفرقة موجودة حتى الآن في المجلس النيابي وفي قوانين الدولة، إذ فرضت الإمبراطورية البريطانية على ايرلندا الشمالية الانضمام للدولة البريطانية البروتستانتية، ونشأ الفصل الطائفي كردّ مباشر على محاولة فرض هوية موحدة على مجتمع تعددت فيه الهويات المجتمعية، ففعل "فرض الحداثة والرأسمالية على المجتمع هو الذي أسس للدولة الطائفية في ايرلندا" (أيمون مكّان في ندوته حول النظام الطائفي في ايرلندا، مركز تيّار المجتمع المدني، بيروت في 1/8/2007).

فلسطين مثال حيّ ويومي، فالسياسات البريطانية والأميركية لاحقاً، اعتمدت على فرض "الدولة الإسرائيلية الحديثة" على الواقع الفلسطيني، مما أنتج النظام العنصري الإسرائيلي، وما زالت مفاعيل "التحديث" هذا، واقعاً يومياً يعيشه ملايين الفلسطينيين.

وفي العراق، كان اللاعب الأول في إنشاء الدولة العراقية الحديثة هو الاتحاد السوفيتي، فكانت دولة الحزب الواحد الحديثة، وجاء بعده الأميركيون، فكانت الدولة الطائفية الحديثة. الحرب التي أتت تحت راية "الديمقراطية والحداثة والحرية" هي اليوم التي تبني النظام الطائفي، وهي اليوم التي تفصل ما بين كردي وسني وشيعي.

تحقيق الاشتراكية

في سعي اليسار اليوم إلى إنتاج دولة "الحداثة" يبدو وكأنه ينادي ببقاء الحال كما هو. نحن اليوم نعيش عصر الحداثة، ولسنا متخلّفين عنه. ما يرددونه من مراسيم أخلاقية حول وصف الدولة الحديثة هو ما ردده الاشتراكيون الطوباويون في القرن السادس عشر، أمثال توماس موور وهو "أن الاشتراكية هي أخلاقية وان الأسس الاشتراكية يمكن تطبيقها من دون إبعاد أو استغلال احد" (http://www.marxists.org/subject/utopian/index.htm)، وقد برهن طرح الاشتراكية الطوباوية عن فشله في الثورة الفرنسية في تحقيق الاشتراكية الفعلية.

لا يمكن إنتاج تنظيم للمجتمع يمثّل مصالح الطبقة العاملة من دون أن تكون الطبقة العاملة هي من تبنيه وهي من تفرضه من خلال صراعها المباشر ضد البرجوازية. إن هذا الأمر تم برهنته مراراً وتكراراً عبر التاريخ. ففي الاتحاد السوفيتي، مثلاً، لو كان النظام يمثّل حقاً الطبقة العاملة، فلماذا لم يدافع عنه العمال بعد سقوط حائط برلين؟ الواضح هو أنه كان نظاماً رأسمالياً كما هو الآن. الفرق هو بين رأسمالية الدولة ورأسمالية السوق، فعلاقات الاستغلال كانت موجودة خلال الحكم الستاليني، وهي ذاتها اليوم في عهد رأسمالية السوق في روسيا.

تحقيق المساواة وإلغاء التفرقة العنصرية والطائفية لا يمكن أن يتمّا من خلال الطبقة البرجوازية، لأن هذه التفرقة تصب في خانة المصلحة المباشرة للبرجوازية. "فعدم المساواة، الاستغلال والقمع يبقون طالما يبقى هناك أقلية تسيطر على الثروات، ومن دون الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج، سوف يبقى هناك هوة ما بين الفقير والغني، وبسبب التنافس على العمل والمسكن والتعليم، سوف يبقى هناك عدم مساواة في الطبقة العاملة نفسها، الظروف الخصبة لنشوء العنصرية والتفرقة الطائفية والجنسية" (توني كليف، الماركسية في الألفية الجديدة).

"إن تحرر الطبقة العاملة هو فعل الطبقة العاملة نفسها" (كارل ماركس) وقد تم إثبات أن كل محاولة انتداب للطبقة العاملة أو لـ"تحريرها" من خلال الطبقة البرجوازية أو فرض الدولة الحديثة، سوف تؤدي إلى امتداد للحداثة نفسها، والمحافظة على واقع التفرقة ضمن الطبقة العاملة وسيبقى القمع والاستغلال، وهذا بالتالي يؤخّر عملية تبلور الصراع الطبقي.

الصراع الطبقي

إن أيّ عملية تغيير يجب أن تبدأ بتأجيج الصراع الطبقي ليكون صوته أعلى من أصوات التفرقة داخل الطبقة العاملة، هذه العملية تبدأ أيضا باعتراف إننا ضمن نظام رأسمالي وتقسيم طبقي. لذا، فأن الصراع الطبقي موجود، وإن الطائفية والعنصرية والتفرقة الجنسية هي من صلب النظام الرأسمالي ومن ضمن خصائص الدولة الحديثة، وليسوا خطأً في تكوّنها يمكن تصحيحه.

لا يمكن التخلص من الوجع دون التخلص من المرض، ومحاولة إصلاح الحداثة أو التصالح معها هو ما سيبقي الحال كما هو. الإصلاح هو وسيلة لإضعاف النظام وفرض قوانين عليه لا تتماشى مع مصالحه، وسوف يقوم النظام، في أي فرصة لاحقة تأتي، بإلغاء هذه الإصلاحات كما يحصل اليوم في الدول الصناعية. الإصلاح لا يقوم به البرجوازيون بفعل الشفقة على الطبقة العمالة، بل عندما يكونوا مجبرين عليه من قبل الطبقة العاملة.

على اليساريين والاشتراكيين والشيوعيين رؤية الإصلاح كوسيلة لتأجيج الصراع الطبقي، ولبناء حركة الطبقة العاملة ضد الرأسمالية والدولة البرجوازية، في سعيهم إلى بناء نظام اشتراكي. الإصلاح ليس جسراً للعبور نحو الاشتراكية، وهو ليس شرطاً مسبقاً للصراع الطبقي، بل نتيجة له.

إن الصراع الطبقي هو أساس أي عملية تغييرية، أمّا فرضه فوق الصراعات الفئوية هو الذي سيؤدي إلى إلغاء التفرقة، وليس من خلال مهادنة البرجوازية الوطنية أو السعي لبناء الدولة الحديثة.

نعيش اليوم محاولة البرجوازية إسكات الصراع الطبقي، إما من خلال حروب مبتكرة كـ"نهر البارد" ونشر العنصرية ضمن الطبقة العاملة اللبنانية والفلسطينية، وكما نُشرت في انتخابات المتن حين قام أمين الجميّل بهجومه العنصري ضد الأرمن، أو خلال مظاهرة 10 أيار 2006، حين وَصَفت السلطة العمال المتظاهرين بأنهم قادمون من ريف دمشق لأنهم يطالبون بإلغاء مشروع التعاقد الوظيفي، أو من خلال إيقاف قيادتا المعارضة لمظاهراتها والإضراب العام خوفاً من استلام المليونين لزمام الأمور. كل هذه المحاولات كانت لتفرقة وشرذمة الطبقة العاملة ومنعها من بلورة حركة تمثّل مصالحها.

الطبقة العاملة تنتفض

إن البرجوازية في لبنان كما في المنطقة العربية كافة والجوار لا تستطيع ولن تكون من رواد التغيير، وهي غير قادرة على كبت الصراع الطبقي لوقت طويل، "فعلى أنظمة الشرق الأوسط أن تخلق 80 مليون وظيفة في الـ15 سنة القادمة (...) وأما في العالم، فمنذ 1995 حتى الآن، زاد عدد العاطلين عن العمل 34 مليون شخص، ليكون عدد العاطلين عن العمل في بداية العام 2006 يقّدر بـ192 مليون شخص". (بيان صادر عن المدير العام لمنظمة العمل الدولية في خطابه خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، في 25 كانون الثاني 2006).
صوت الصراع الطبقي يعلو يوماً بعد يوم في كافة دول المنطقة، وهو حاضر بشكل جدي. وإن كان الإعلام والساسة يغيّبونه، فنحن نسمعه في أصوات العمّال المحليين والمهاجرين في الجزيرة العربية التي تطالب بزيادة الرواتب وغيرها من الأمور (الصراع الطبقي واقع يتبلور بتزايد الحركة العمالية، هبة عباني المنشور عدد 8)، والإضرابات العمّالية في مصر والاحتجاجات في إيران...

"على مدى ستة أشهر بلغ عدد العمال الذين أضربوا عن العمل ورفعوا مطالب واستطاعوا تنفيذ أغلبها أكثر من 200 ألف عامل، وهو رقم هائل في بلد يحكمه قانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن، ويقيّد قانون العمل فيه حق الإضراب ويفرض على العمال تنظيم نقابي واحد موال للدولة" (مصطفى البسيوني، إضرابات العمال في مصر: مرحلة جديدة للحركة العمالية، المنشور عدد 9).
كل هذا يشير إلى نهوض الصراع الطبقي على الساحة السياسية العامة في المنطقة، وخاصة ضمن حالة غلاء الأسعار وازدياد نسب الفقر والبطالة في العالم، ونسب الاستغلال والنقص الواضح في القدرة الشرائية. حدة الصراع الطبقي سوف تتسارع، وسيكون شكل تبلورها السياسي إما في حالات شغب، كما حصل في فرنسا في العام 2006 وفي لبنان عام 2004 في حي السلم و2006 في التباريس. أو بشكل منظّم يعتمد على وجود حركة عمالية ونقابية. وعدم وجود الحركة هو الذي يسبب نشوء الشغب كمخرج وحيد للتعبير عن الصراع الطبقي.

نعيش اليوم في لبنان حالة سكون ما قبل العاصفة، وعلى اليسار أن يبني نفسه حتى يواكب مسارات المعارك القادمة. عليه أن يبقي نبض الصراع الطبقي يقظاً، وأن يضيء على التناقضات الطبقية الحالية، ويكسب ثقة الطبقة العاملة من جديد. عليه أن يواكب الصراع النقابي المنظم وغير المنظم كي يستطيع أن يجاريه، وأن يتمركز داخل حركة الطبقة العاملة وليس كوصي عليها، عليه أن يؤمّن الوسائل التي تحتاج إليها الطبقة العاملة للتعبير عن مصالحها، من النشرات والاعتصامات والبيانات. هذا الدور ليس بالدور التقني، بل هو انخراط مباشر في الصراع الطبقي، هو عملية لبناء الحركة من ضمن الطبقة العاملة وليس من خارجها.

اليوم، قد تبدو الصورة متشائمة، ولكننا في هذه الأوقات بالضبط، علينا البناء والتنظيم أينما وُجدنا، في أماكن العمل، في الجامعات، في النقابات. علينا أن نؤسس للخطاب السياسي والنقابي للفترة القادمة من خلال التفاصيل اليومية للصراع الطبقي (غلاء الأسعار، التفرقة العنصرية، الدولة البوليسية...)، والقضايا النقابية المشتركة (رفع الحد الأدنى للأجور، التعاقد الوظيفي، الخصخصة...)، حتى نصل لخطاب سياسي عام حول تغيير النظام.

هذه السيرورة هي التي يمكن من خلالها تدمير النظام الطائفي والقوانين العنصرية والقوانين التي تدعو إلى التفرقة الجنسية. المسألة هنا هي تحطيم النظام الطائفي وإلغائه، لا مهادنته أو انتظار "اضمحلاله".

النظام لن يجري بنفسه نحو الهاوية، علينا نحن أن ندفعه نحوها.

Imports VS Exports in Lebanon


We can see clearly here the deficit between Imports and Exports in Lebanon, the deficit ranging between 94% in year 2000 and about 92% in year 2005, this deficit, is a clear indicator of a direct dependency on global markets to provide for local needs, this means that Lebanon has always to catch up with global prices and this would endanger local purchasing power tremendously, since it has to catch up with the rate of purchasing power in developed countries (European countries for example).

Deficit between imports and exports


Imports to Lebanon

Source: Central Administration for Statistics, Lebanon

This graph shows the amount of imports to Lebanon by foreign countries, the weird is that most of the imports in Lebanon are from Europe (this means in Euro) while the lebanese pound is stabilized to the US dollar (1 USD = 1,500 LBP) this stabilization is having a disastrous impact on the lebanese market and the purchasing power, especially since the US dollar is falling behind compared to Euro.

In addition if the market fluctuations in europe are quite high this would have a direct impact on the market in Lebanon, and would have actually a double impact due to the stabilization policies in Lebanon

Saturday, October 20, 2007

Class Strucutre of Lebanon 2004


If we consider that Employers fall within the Bourgeoisie, and the self employed as middle class, although this category contain small shop owners, which cannot be ultimately considered as middle class, and working class being all the rest, from peopla working with family members, weekly and hourly workers, and monthly paid employees as well as apprentices.

the class structure of Lebanon would be 66.40% as working class, 28.50% as Middle Class and 5.1% as Bourgeoisie.

and the below graph compares between the class structure of Lebanon 1970 and Lebanon 2004.



Class Structure in Lebanon 1970

This Graph shows the distribution of the Economically Active Population in Lebanon in 1970.

Taken into consideration that the owners of Producers Cooperatives (Producer cooperatives are owned by producers of farm commodities or crafts that band together to process and/or market their products.) can be considered to be the Bourgeoisie

were Employers can be considered as the "Middle Class"

and the Working class can be considered being composed of "Employees" and "Unpaid Family workers".
We can from this graph estimate the size of the working class being 62.55%, The Middle Class being 29.77% and the Bourgeoisie being 7,68%.

this means that the class structure in Lebanon 1970 would look like: