يذهب الى السوق صباح الثلاثاء، يبحث عن شيء معين.. أو غير معين.. يبحث عن شىء يقول حين يجده:
"ها هو الذى كنت أبحث عنه.. وجدته .. أخيرا ".
السوق فى صباح الثلاثاء مزدحم وكريه، ورائحته توحي بالعفن، والناس تصدر نشازا فى الصوت واللون والحركة، يبحث، يجول بعينيه واجهات المحال الزجاجية، الدكاكين، الأكشاك، عربات الباعة الجائلين، صناديق الأطفال البائعين، لا يجد مايبحث عنه، لا يجد ما يستحق أن يوجد، يتوقف أمام بائع الكحول، المحل ذو الحروف الضخمة، الفاترينه التى يعلوها التراب، قرص البسطرمة فى المواجهة، يفكر فى شراء زجاجة براندي، يطرق جيبه الممتليء.. ( كانت الليلة موعد قبض الراتب الشهري.. من أجل هذا يفقد متعة الشهر.. من أجل هذا الامتلاء يحتمل خواء الشهر بطوله).. يفكر فى شراء زجاجة ويسكي، يعدل عن رأيه، يبحث، يبحث.
قافلة الفتيات التى مرت بجواره جعلته ينحاز بالنظر اليها، كانت الصبايا مقيدات الجيد والكفين والقدمين، سلاسل طويلة طويلة تجرها فى المقدمة امرأة ذهبية الشعر وأخرى سوداء البشرة، مسلسلتان هما الأخريان، السوق يهدأ قليلا، الأنظار تنتظم فى اتجاهها صوب الصف الحريمي الطويل، المائدة الخشبية الكبيرة تنصب، تعتلي الفتيات المائدة المنصة يتصدرهن البائع النحيف الوسيم ذو الشارب المهندم بصوته الرخيم، يمسك بالميكروفون اليدوي، يفتتح جلسة البيع، يأتيه على مهل، يتأمله يناقش الجمهور.. (كان صوت الناس قد عاد لانعدام التوافق مرة أخرى وبدأت أصوات الرجال تتغلب على الساحة وتحتلها).. يمسك الشاب النحيف الوسيم بالميكروفون ويفاضل فى نزاهة ملحوظة بين بضاعة الفليبين والشام وتركيا، الأوروبيات أعلى سعرا، الأمريكيات نادرات، والإفريقيات سعرهن ضعيف.
وصل الى مائدة المنصة فى خطو متمهل.. كان البائع فى تلك اللحظات قد تمكن من انتباه الحضور، لديه إجابات على كل الأسئلة ودائما يقدم العرض الذى يصعب رفضه أو التملص من قبوله، يسأله البائع فجأة:
"كيف تفضلها يا سيدي؟"
أجاب بعفوية:
"ما أبحث عنه ليس لديك"
كرر البائع سؤاله مضيفا حرفا لئيما فى المقدمة:
"ف.. كيف تفضلها ياسيدى؟"
أعاد إجابته:
"ليس عندك"
ابتسم البائع ابتسامة واسعة:
"لو لم أكن متأكدا مما لدي لما نزلت السوق،
ولو لم تكن واثقا من انى أحوز ما تريد لما أطلت الوقوف..
سيدى .. إنك تنتظر مني تأكيدا.. وأنا أؤكد لك..
ما تريده .. عندي."
فقال له فجأة:
"أريدها جميلة الى حد التوحش، أظافرها مخالب، وشعرها خصل متماوجة هائجة،
وتفاصيل جسدها حادة وملتهبة، لا أريدها بكرا ولا ناطقة.. أريدها خرساء!"
سكت الجمهور تماما للحظة حتى تكلم البائع الوسيم بعد أن ابتسم ابتسامة هادئة وادعة :
" ولك أن تعرف أيضا باقي مواصفاتها .. سمراء الى حد الحمرة،
لا أقول طويلة أوقصيرة أقول طولها مناسب جدا ..
خصرها منسحب ودائري .. وهذه هي .. بلا اسم ..
ويمكنك أن تمنحها الإسم الذى تريد!"
تأملها كانت تقترب مما فى خياله فى تلك اللحظة، صفق الناس كثيرا للبائع الماهر، انحنى لهم واستقام سريعا، أحضر صندوقا ووضع فيه المرأة المتوحشة الخرساء، أعطاه الكتالوج الخاص بها.. كيف تعمل وكيف يمكن القيام بأعمال الصيانة فيها، ماذا تأكل وكيف تمارس الجنس، أعطاه الصندوق شاكرا إياه، فأخذ منه الصندوق دون أن يبتسم ولكن وجهه كان هادئا، كان يشعر أن هذا قريب مما كان يبحث عنه كي يرضى به وينصرف.
أخرجها من الصندوق فى غرفته، أعاد تركيبها، وجد ثديا إضافيا عليه بطاقة صغيرة، كان ثديا هدية، ثديا يحمل شارة البائع وعناوينه والأرقام الهاتفية.. ملأه بالماء ووضع فيه بعض الزهور البيضاء وعلقه على خطاف تدلى من طرف شباكه الحديدي.
عاد الى المرأة.. وجدها تنبض حين احتضنها.. أحس بشهيقها وزفيرها، بحرارة جسدها، لم يتكلما، تزايد نبضها وهى تحضنه..
يطبق أطرافها فى آخر الليل ، يطويها ويضعها فى الصندوق ثانية.
*******
ينهض فى الصباح ... يذهب الى عمله .. كان كل شىء كما هو .. منذ آخر زر فميصه يربطه ويلف ربطة العنق عليه مرورا بفناجين القهوة أمامه وأعقاب السجائر مرشوقة فى بقايا البن البارد المترسب فى القاع الضحل، أصابع الموظفات الخارجة من مقدمة الشباشب القذرة، العرق على جبين السكرتيرة الحبلى، الأوراق المربوطة بالدوبارة المعقودة وانتهاء بفك ربطة العنق وتكويرها فى جيب الجاكيتة الأيمن بعد إغلاق درج المكتب الأجوف فى ساعة الانصراف.
******
يعود الى البيت، يخرجها من الصندوق، يفردها.. يعيد تركيبها، يحضنها.. نبضها خافت هذه المرة.. يحضنها أكثر، يقلّبها، ينهض، يضعها فى الصندوق.
******
يذهب الى العمل .. يعود إلى البيت ... يفتح الصندوق ... نبضها خافت أكثر فأكثر .. يحضن ... يقلب ... يضع .. يذهب .. يعود ... يفتح .. يخفت .. يخفت .. يحضن... يخفت ... يضع ... يذهب .. يعود .. يخفت ... يخفت ... يخفت ..
*******
بعد مدة معينة .. أو غير معينة .. تصدر أعضائها أزيزا مزعجا.. يقرأ الكتالوج .. يملؤها بالزيت .. الأزيز المزعج يعلو .. ينهض .. يتيقن من أنها صدأت ... ينهض ... يحملها .. يلقيها فى صندوق القمامة .. ويعود إلى سريره وكل أعضائه تصدر ذات الأزيز المزعج.. يثبت فى وضعه حتى الصباح وقد غطته تماما طبقة الصدأ الطحلبية.. وفى النافذة الحديدية كانت الزهور البيضاء داخل الإناء الثدي تحتاج الى من يسقيها وفى عيونها شوق واضح الى الماء.
"ها هو الذى كنت أبحث عنه.. وجدته .. أخيرا ".
السوق فى صباح الثلاثاء مزدحم وكريه، ورائحته توحي بالعفن، والناس تصدر نشازا فى الصوت واللون والحركة، يبحث، يجول بعينيه واجهات المحال الزجاجية، الدكاكين، الأكشاك، عربات الباعة الجائلين، صناديق الأطفال البائعين، لا يجد مايبحث عنه، لا يجد ما يستحق أن يوجد، يتوقف أمام بائع الكحول، المحل ذو الحروف الضخمة، الفاترينه التى يعلوها التراب، قرص البسطرمة فى المواجهة، يفكر فى شراء زجاجة براندي، يطرق جيبه الممتليء.. ( كانت الليلة موعد قبض الراتب الشهري.. من أجل هذا يفقد متعة الشهر.. من أجل هذا الامتلاء يحتمل خواء الشهر بطوله).. يفكر فى شراء زجاجة ويسكي، يعدل عن رأيه، يبحث، يبحث.
قافلة الفتيات التى مرت بجواره جعلته ينحاز بالنظر اليها، كانت الصبايا مقيدات الجيد والكفين والقدمين، سلاسل طويلة طويلة تجرها فى المقدمة امرأة ذهبية الشعر وأخرى سوداء البشرة، مسلسلتان هما الأخريان، السوق يهدأ قليلا، الأنظار تنتظم فى اتجاهها صوب الصف الحريمي الطويل، المائدة الخشبية الكبيرة تنصب، تعتلي الفتيات المائدة المنصة يتصدرهن البائع النحيف الوسيم ذو الشارب المهندم بصوته الرخيم، يمسك بالميكروفون اليدوي، يفتتح جلسة البيع، يأتيه على مهل، يتأمله يناقش الجمهور.. (كان صوت الناس قد عاد لانعدام التوافق مرة أخرى وبدأت أصوات الرجال تتغلب على الساحة وتحتلها).. يمسك الشاب النحيف الوسيم بالميكروفون ويفاضل فى نزاهة ملحوظة بين بضاعة الفليبين والشام وتركيا، الأوروبيات أعلى سعرا، الأمريكيات نادرات، والإفريقيات سعرهن ضعيف.
وصل الى مائدة المنصة فى خطو متمهل.. كان البائع فى تلك اللحظات قد تمكن من انتباه الحضور، لديه إجابات على كل الأسئلة ودائما يقدم العرض الذى يصعب رفضه أو التملص من قبوله، يسأله البائع فجأة:
"كيف تفضلها يا سيدي؟"
أجاب بعفوية:
"ما أبحث عنه ليس لديك"
كرر البائع سؤاله مضيفا حرفا لئيما فى المقدمة:
"ف.. كيف تفضلها ياسيدى؟"
أعاد إجابته:
"ليس عندك"
ابتسم البائع ابتسامة واسعة:
"لو لم أكن متأكدا مما لدي لما نزلت السوق،
ولو لم تكن واثقا من انى أحوز ما تريد لما أطلت الوقوف..
سيدى .. إنك تنتظر مني تأكيدا.. وأنا أؤكد لك..
ما تريده .. عندي."
فقال له فجأة:
"أريدها جميلة الى حد التوحش، أظافرها مخالب، وشعرها خصل متماوجة هائجة،
وتفاصيل جسدها حادة وملتهبة، لا أريدها بكرا ولا ناطقة.. أريدها خرساء!"
سكت الجمهور تماما للحظة حتى تكلم البائع الوسيم بعد أن ابتسم ابتسامة هادئة وادعة :
" ولك أن تعرف أيضا باقي مواصفاتها .. سمراء الى حد الحمرة،
لا أقول طويلة أوقصيرة أقول طولها مناسب جدا ..
خصرها منسحب ودائري .. وهذه هي .. بلا اسم ..
ويمكنك أن تمنحها الإسم الذى تريد!"
تأملها كانت تقترب مما فى خياله فى تلك اللحظة، صفق الناس كثيرا للبائع الماهر، انحنى لهم واستقام سريعا، أحضر صندوقا ووضع فيه المرأة المتوحشة الخرساء، أعطاه الكتالوج الخاص بها.. كيف تعمل وكيف يمكن القيام بأعمال الصيانة فيها، ماذا تأكل وكيف تمارس الجنس، أعطاه الصندوق شاكرا إياه، فأخذ منه الصندوق دون أن يبتسم ولكن وجهه كان هادئا، كان يشعر أن هذا قريب مما كان يبحث عنه كي يرضى به وينصرف.
أخرجها من الصندوق فى غرفته، أعاد تركيبها، وجد ثديا إضافيا عليه بطاقة صغيرة، كان ثديا هدية، ثديا يحمل شارة البائع وعناوينه والأرقام الهاتفية.. ملأه بالماء ووضع فيه بعض الزهور البيضاء وعلقه على خطاف تدلى من طرف شباكه الحديدي.
عاد الى المرأة.. وجدها تنبض حين احتضنها.. أحس بشهيقها وزفيرها، بحرارة جسدها، لم يتكلما، تزايد نبضها وهى تحضنه..
يطبق أطرافها فى آخر الليل ، يطويها ويضعها فى الصندوق ثانية.
*******
ينهض فى الصباح ... يذهب الى عمله .. كان كل شىء كما هو .. منذ آخر زر فميصه يربطه ويلف ربطة العنق عليه مرورا بفناجين القهوة أمامه وأعقاب السجائر مرشوقة فى بقايا البن البارد المترسب فى القاع الضحل، أصابع الموظفات الخارجة من مقدمة الشباشب القذرة، العرق على جبين السكرتيرة الحبلى، الأوراق المربوطة بالدوبارة المعقودة وانتهاء بفك ربطة العنق وتكويرها فى جيب الجاكيتة الأيمن بعد إغلاق درج المكتب الأجوف فى ساعة الانصراف.
******
يعود الى البيت، يخرجها من الصندوق، يفردها.. يعيد تركيبها، يحضنها.. نبضها خافت هذه المرة.. يحضنها أكثر، يقلّبها، ينهض، يضعها فى الصندوق.
******
يذهب الى العمل .. يعود إلى البيت ... يفتح الصندوق ... نبضها خافت أكثر فأكثر .. يحضن ... يقلب ... يضع .. يذهب .. يعود ... يفتح .. يخفت .. يخفت .. يحضن... يخفت ... يضع ... يذهب .. يعود .. يخفت ... يخفت ... يخفت ..
*******
بعد مدة معينة .. أو غير معينة .. تصدر أعضائها أزيزا مزعجا.. يقرأ الكتالوج .. يملؤها بالزيت .. الأزيز المزعج يعلو .. ينهض .. يتيقن من أنها صدأت ... ينهض ... يحملها .. يلقيها فى صندوق القمامة .. ويعود إلى سريره وكل أعضائه تصدر ذات الأزيز المزعج.. يثبت فى وضعه حتى الصباح وقد غطته تماما طبقة الصدأ الطحلبية.. وفى النافذة الحديدية كانت الزهور البيضاء داخل الإناء الثدي تحتاج الى من يسقيها وفى عيونها شوق واضح الى الماء.