نشرت في جريدة الشروق بتاريخ 2 نوفمبر 2018 بعد اصدار تأسيسية الأخوان للمسودة الأولى لدستور 2012. خرجت علينا اللجنة بعدها بمسودة اسوأ بمراحل و خصوصا بسبب مواد عسكرة الدولة.
اعيد نشرها آملا عدم تكرار نفس الأخطاء. و ان كنت لا اعول كثيرا على اي آلية لصياغة الدستور بدون مشاركة شعبية حقيقية.
.
تمسك أغلب المشاركين فى الثورة بكتابة دستور جديد، معتبرين أن إسقاط دستور مبارك جزء من عملية إسقاط النظام، وبالتالى فصياغة دستور جديد هى بالتأكيد جزء أصيل من عملية تصحيح الأوضاع التى استقرت أثناء حكم نظام مبارك، ومعالجة آثار ذلك النظام. الطبيعى فى هذه الحالة أن يحيد الدستور عن دستور مبارك تماما، وأن يكون معنيا بعلاج كل أوجه القصور فيه.
ولكن كالعادة: ما يبدو بديهيا لعموم الثوار نجده عصيا على فهم قياداتنا ونخبنا السياسة. خرجت علينا اللجنة التأسيسية بمسودة لدستور جديد لا يتخطى القديم، وبدلا من علاج كل مساوئ الدستور القديم (دستور ١٩٧١) اكتفى أعضاء اللجنة بأن مسودتهم أفضل منه، ولو قليلا ثم قاموا بتسوقيها على أنها أفضل دستور فى تاريخ مصر.
مع نشر المسودة تخطينا مرحلة السجال على تشكيل اللجنة، وبدأ الجميع فى انتقاد تفاصيل المحتوى مادة مادة، وبدأنا نرى اتفاقا واسعا على ما يلزم تغييره، لكنى أخشى أن الاكتفاء بادخال تعديلات ــ حتى ولو جوهرية ــ مع الاحتفاظ بنفس المنهجية لن يأتى بدستور يختلف تماما عما كنا سنصل إليه لو كنا ارتضينا أن نعدل دستور 71 بدلا من إسقاطه. دستور الثورة يحتاج، من ضمن ما يحتاج، الانتباه للنقاط التالية
أولا ــ أحكام الصياغة:
بعد قراءة عاجلة للدساتير الحديثة يمكن حتى لغير المتخصص التمييز بين دستور يكتب ليطبق ودستور يكتب ليتم التحايل عليه، دستور يلزم السلطات ويقيدها ليضمن ما نص عليه من حقوق ودستور يكتب «سد خانة»؛ ينص على حقوق بلا ضمانات تذكر.
كتبت المسودة ــ خصوصا فى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ــ بلغة فضفاضة لا تنص على الحقوق صراحة إلا فى أضيق الحدود، لذا نجدها مليئة بعبارات مثل «تعمل الدولة»، و«تسعى الدولة»، و«تكفل الدولة»، و«ترعى الدولة»، لكن نادرا ما نجد صياغة صريحة بأن لجميع المواطنين الحق فى كذا.
إلزام الدولة بأن تعمل لتحقيق هدف ما لا يعنى إلزامها بتحقيق هذا الهدف، يكفيها أن تشكل لجان «لتعمل على» الهدف. فمثلا النص على أن الزراعة مقوم أساسى فى الاقتصاد لا يضمن للفلاح ائتمانا يساعده فى تحمل تكاليف الزراعة، ولا يقيد بنك التنمية والائتمان الزراعى بحيث يتوقف عن ابتزاز الفلاحين بالحبس فى قضايا شيكات (وفقا للقانون واتفاقات حقوق الإنسان والشريعة لا يجوز حبس المتعسر فى سداد الدين، ومع ذلك تكتظ سجوننا بفلاحين مديونين لجهاز حكومى أنشئ بغرض تطبيق مواد الدستور المعسولة عن «مقوم أساسى» للاقتصاد).
حتى أبسط الحقوق وأكثرها أصالة، «الحق فى الحياة»، لا يذكر صراحة فى دستورنا. يقول الإعلان العالمى لحقوق الإنسان: «لكل فرد الحق فى الحياة والحرية وسلامة شخصه»، وفيما تلى هذا الإعلان من مواثيق وعهود ــ بما فيها الميثاق العربى لحقوق الإنسان ــ نجد: «الحق فى الحياة حق ملازم لكل شخص» ــ لكنه لا يذكر صراحة فى دستورنا المقترح.
نعرف بالطبع أن إغفال ذكر «الحق فى الحياة» لا يعنى أن للدولة الحق فى قتل المواطن، فالقتل مجرم فى المسودة، لكن الفارق فى النص على «الحق» صراحة أنه يجعل للدولة مسئولية أكبر عن من يهدر حقه فى الحياة بسبب إهمال حكومى أو إخفاق فى تقديم الرعاية الصحية، ويفتح النص على الحق صراحة الباب لمحاسبة قوات الشرطة عند إزهاقها أى روح، ولا يسهل (دستوريا على الأقل) تبرير القتل بأن القتيل «قاوم السلطات» أو بأنه «مسجل خطر». يؤدى النص على «الحق فى الحياة»، مثلا، إلى اعتبار ندرة الحضانات المجهزة فى المستشفيات جريمة فى حق الجنين وليس فقط الأم، إلى آخر الممارسات التى صار الكل يعرفها والتى تعبر عن عدم اهتمام الدولة بحياة المواطن.
العرف فى الدساتير الحديثة أن ينص على الحقوق الأساسية صراحة كل حق فى مادة منفصلة، ويرفق بالحق الأساسى الحقوق المتفرعة منه، متبوعة بجميع الالتزامات السلبية (أى القيود الصريحة على الدولة حتى لا تنتهك هذا الحق) ثم بالالتزامات الإيجابية (أى الإجراءات الضامنة لتحقيق الحق).
ثانيا ــ السياق الزمنى:
لم يتوقف الزمن عام ١٩٧١، وبالتأكيد لم يتوقف تطور المجتمع البشرى ــ وبالذات مع تطور التقنية. ومع ذلك عندما قررت اللجنة التأسيسية إبداع باب جديد فى الدستور للمؤسسات الرقابية والمستقلة أهملت ذكر ما استحدث من مؤسسات ــ وعلى رأسها مرفق الاتصالات الذى لا يقل أهمية ولا خطورة عن البنك المركزى.
الدستور فى وضعه الحالى يسمح بإلغاء مرفق الاتصالات، وجعل قرار تنظيم القطاع فى يد السيد الرئيس أو رئيس وزارته أو حتى وزير الاتصالات بلا رقيب ولا حسيب، بينما كنا نأمل أن تبدع اللجنة وتدرك أن الاتصالات ــ وخصوصا شبكة الإنترنت ــ صارت أكبر من مجرد تقنية أو سوق، وإنما هى مورد أساسى، وبنية تحتية ضرورية، وحق منفرد بذاته، علاقتها بالمعرفة مثلها مثل علاقة شبكة الطرق والمواصلات بحرية التنقل وتنمية الاقتصاد.
إغفال (أو عدم إدراك) أعضاء التأسيسية لتطور المجتمع الإنسانى انعكس فى تجاهل مخاطر مستجدة لم تواجه كاتبى دساتيرنا القديمة. تنص المسودة على التزام الدولة بتنمية وحماية الأصناف النباتية، وهو أكيد أمر محمود، لكنها أهملت التعامل مع ما يواجهه الفلاح اليوم من إغراق للسوق بأصناف معدلة جينيا تعديلات لا تحسن جودة المنتج وإنما تحسن فرص الشركات الدولية العملاقة فى تعاظم الربح. والحقيقة أن تلك الأصناف المعدلة تهدد الأصناف المحلية بالانقراض. كما تجاهلت المسودة أن قواعد ملكية فكرية مجحفة، تطبق الآن على الجينات. وتهدد تلك القواعد تراثنا الزراعى والحيوى. يفاقم هذه المخاطر تقاعس الدولة عن دورها فى توثيق وحماية الأصناف المحلية، وتمويل تطويرها. وقد أدى هذا، مثلا، إلى لجوء المركز القومى للبحوث الزراعية اضطر لشركات أجنبية لتمويل دراسات عن أصناف زراعية مصرية، وفى النهاية تحتفظ الشركة بملكية نتائج الأبحاث، ومن ضمنها الحق الحصرى فى تصنيع التقاوى والبذور.
لو انتبهت اللجنة لأصوات العلماء والفلاحين ونشطاء البيئة لربما أبدعت لنا مواد دستورية غير مسبوقة، تجرم تصنيع واستيراد البذور العقيمة التى تُخضِع الفلاح لسلطان الشركات الدولية أو تنص على إنشاء هيئة منوطة بدراسة وتوثيق وحماية وتطوير الأصناف المحلية وتحدد لها نسبة من الميزانية تضمن ألا يتحول علماؤنا إلى أُجَراء عند ذات الشركات. أو ربما، بدلا من انشغال اللجنة بموقف الشريعة من زواج القصر، كانت نقلت لنا موقف الشريعة من أن يسمح لشركات بامتلاك فصائل حية بأكملها ملكية تفوق ملكية الفلاح لأرضه وما زرع فيها وما حصد.
حتى الحقوق المتعارف عليها تحتاج الآن إلى التنبه والتطوير بسبب تطور التقنية. تنص المسودة بالفعل على احترام حرمة البيوت والمراسلات، وبلغة محكمة بما يكفى. لكن فاتها أن تنص على وجوب تنظيم ما يسمى بـ «الاحتفاظ بالبيانات». فمثلا شركات المحمول تحتفظ بسجلات تفصيلية عن تحركات المشترك بناء على اتصال الهاتف المحمول الدائم بأبراج الاتصال. يمكن بناء على تلك السجلات تحديد الموقع الجغرافى للمشترك فى أى وقت ــ بما فيها فى الماضى البعيد ــ بدقة عالية تصل لعشرات الأمتار. لا يملك المواطن أمام هذه القدرة المرعبة على متابعته أى حماية تشريعية؛ فلا ضابط للمعلومات التى يمكن للشركة الاحتفاظ بها، ولا ضابط للمدة الزمنية المسموح لها الاحتفاظ بها (هل تملك الشركة سجل بتحركاتى للعشرة سنوات الماضية؟) ولا قواعد لمن يحق له الاطلاع على تلك البيانات، هل تبيعها الشركة لشركات دعاية وإعلان، مثلا؟ هل تسلمها للأمن الوطنى بمجرد الطلب أم تشترط أمر قضائى؟
لن يتوقف التطور بعد صياغة الدستور، وليس من الممكن مواكبة كل جديد، ولكن حين تستحدث مشكلات وينتشر الوعى بها فتصبح مادة لبرامج التوك شو بل والأفلام الروائية ناهيك عن الأبحاث والدراسات ــ فمن الطبيعى أن نتوقع أن ينعكس هذا فى دستور يكتب اليوم.
ثالثا ــ السياق المحلى:
لو قرأت دستور إيطاليا المكتوب فى عام ١٩٤٦، سيتبين لك قلق واضعيه من عودة الفاشية، وبالمثل دستور جنوب افريقيا المكتوب عام ١٩٩٦ تهيمن عليه معالجة آثار نظام الفصل العنصرى. الدساتير الحديثة بنات خبرات ونضالات شعوبها، والدساتير المكتوبة بعد الثورات تعكس أسباب قيام الثورة وهموم الثوار
فهل يعقل أن دستورا يكتب بعد اندلاع الثورة المصرية لا يذكر حتى كلمة تعذيب؟ دستور ١٩٧١ نص على أن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم، لكن كاتبه ترك تعريف جريمة التعذيب للقانون، فتحايل ترزية النظام وفصلوا قوانين تجعل أغلب ممارسات الداخلية ــ حتى القاتلة منها ــ تبدو لمحاكمنا وكأنها مجرد تجاوزات بسيطة، فيحكم القاضى بـ«القتل الخطأ» أو «ضرب أفضى إلى موت» فى قضايا تستدعى الإطاحة بإدارات أمنية كاملة. الحد الأدنى المنطقى لدستور ثورتنا هو النص على تعريف للتعذيب متوافق مع تعريف الاتفاقية الدولية لمناهضته مع العلم بأن طموحات الجماهير أوسع من هذا.
من يقرأ دستورا كتب بعد أحداث ماسبيرو يتوقع أن يرى مادة تجرم مواجهة المواطنين بالجيش، وتحمى الجندى الذى يرفض تنفيذ أوامر إجرامية. من يقرأ دستورا كتب بعد محاكمة المخلوع (التى أفلت من القصاص فيها الجميع إلا من نص الدستور صراحة على مسئوليته) يبحث عن صياغة دستورية تدين كل تسلسل القيادة فى حال ارتكاب جرائم ضد المواطنين، بحيث يُدان القناص وقائده ومديره ووزيره ورئيسه وكل من كان بيده وقف تنفيذ الأوامر ولم يوقفها.
من يكتب دستورا لمصر الشابة التى انتفضت ضد دولة العواجيز، كان سينتبه لمقترحات الجماهير بمادة دستورية توحد سن المعاش وتطبقه بصرامة (ووقتها كان الرئيس تخلص من النائب العام ومن هم على شاكلته بلا حرج ولا هرج).
كيف ينشغل من يكتب الدستور اليوم بزواج القاصرات فى حين أن المشكلة الكبرى التى تواجه الأسرة المصرية هى تأخر سن الزواج لضيق الحالة الاقتصادية؟ بأى منطق ينشغل من يكتب الدستور اليوم بالتأكد من حماية الدولة من خطر ممارسة المواطنين لحريات قد تتعارض مع العادات والتقاليد، بينما المشكلة الكبرى التى تواجهنا هى دولة اعتادت اغتصاب المواطنين فى أقسام الشرطة.
رابعا ــ العلانية:
من أعجب ما مر بنا، فى مسارنا الدستورى المتعرج، الطبيعة شبه السرية لمداولات لجان التأسيسية. اجتماعات اللجان الفرعية لا تبث ومحاضر اجتماعات اللجان ومضابطها لا تنشر. يحاول المواطن ــ فى غياب أى وسيلة رسمية ــ فهم ما يدور فى اللجان من خلال تراشق الأعضاء فى البرامج الحوارية، فيشخط رئيس التأسيسية فى الأعضاء آمرا إياهم أن يأتوا بخلافاتهم إلى مكتبه بدلا من الإعلام.
وفى كل مرة ترتفع الأصوات معترضة على مادة تسربت هنا أو هناك جاء الرد بإنكار تداول تلك المادة، ولاحقا يتضح أن الإنكار كاذب فيقال لنا أنها مجرد مقترح. ألا يحق لنا أن نعرف كل المقترحات ومن طرحها ومن اعترض عليها ومنطق من اقترح وأسباب من اعترض؟ ألا يحق لنا فهم ما يجرى فى كواليس كتابة دستورنا، وتقييم الأعضاء وأحزابهم وجماعاتهم سياسيا؟ من الذى تجاهل مقترحات المواطنين ومن الذى انتصر لها؟ من يقول فى اللجان عكس ما يقوله فى الإعلام؟ ألا يحق لنا أن نعرف كيف وصلنا إلى اقتباس مواد الوصاية العسكرية من وثيقة السلمى فى المسودة رغم تصدر جماعة الإخوان المسلمين ــ الحائزة على أغلبية التأسيسية ــ لمظاهرات الاعتراض على وثيقة السلمى؟
وصل الغموض لدرجة جعلت العلاقات الشخصية هى الطريق الوحيد الذى عرف من خلاله مواطن ما يأتى: أن العاملين فى رعاية أطفال الشوارع طالبوا بتجفيف أحد منابع الظاهرة الرئيسية، فتجاهلتهم تأسيسيتنا، بحجة أن دسترة حماية الأطفال من القلة القليلة من الآباء الغير أمينين على تربية أولادهم ــ لدرجة الانتهاك والأذى المتكرر ــ يمثل تعديا على الشريعة وعلى حق الآباء فى استخدام الضرب كوسيلة تربوية.
لكن السرية ليست مجرد أمر مزعج للمواطن المطلع ولا تنتهى عواقبها بانتهاء عمل التأسيسية، فتفسير الدستور بعد إقراره، من قبل المشرع والمحاكم، سيعتمد على الأعمال التحضيرية، والتى تشمل مضابط ومحاضر الاجتماعات المخفية عنا. كيف نضمن عدم التلاعب فى تلك المضابط والمحاضر، بحيث يتم تغيير معنى المواد الدستورية بعد الاستفتاء، ما لم تتح لنا متابعتها أولا بأول؟
أم أن المطلوب من المشرع والقاضى والموظف العام والمواطنين مقابلة السيد رئيس التأسيسية فى مكتبه كلما التبس علينا تفسير أحد الألفاظ الفضفاضة؟
أخيرا.. المشاركة المجتمعية:
تقدم حوالى عشرة آلاف مواطن لمخاطبة التأسيسية، من خلال مئات جلسات الاستماع، حاملين معهم فوق الثلاثين ألف مقترح، بالإضافة لمائة ألف مقترح أو أكثر وصلت إلى التأسيسية عبر صفحاتها على الإنترنت. كما تقدم مئات العاملين والمتطوعين بمنظمات المجتمع المدنى التنموية والحقوقية والخيرية، فى محاولة للتعبير عن طموحات وشكاوى الفئات الأقل تمثيلا كأطفال الشوارع وذوى الإعاقة.
عملت مجموعة من المتطوعين من الشباب الثورى على فرز كل تلك المقترحات، ورفع توصيات كاملة بمعايير صارمة، بحيث لا يرسل للتأسيسية مقترح إلا وكان على لسان آلاف المواطنين وعليه توافق من أغلبية من تواصل معهم. فى حال انقسام الآراء رفعت توصيات كاملة ببدائلها، لتختار منها اللجان ما تراه الأصلح، فمثلا رفع للجنة نظام الحكم مقترحين متكاملين للحكم المحلى على درجات مختلفة من عدم المركزية.
قطاع من الشعب صدق الدعوة للمشاركة فى كتابة الدستور، ذهبوا إلى اللجنة حاملين طموحات ومظالم، أحلام وآلام، وفقا لدعوة رسمية. واختارت التأسيسية أن تلقى بكل هذا جانبا وتستغل ثقة الجماهير فى تجميل صورتها فقط. نعرف هذا اليوم لأن الدكتورة سحر طلعت استقالت من التأسيسية، وذكرت من ضمن أسباب استقالتها «المسودة الأولية المكتملة لا ترقى لطموحات الشعب المصرى والتى ظهرت جلية من خلال مقترحاتهم المقدمة والتى تم تجاهلها».
لم يكتف أعضاء التأسيسية بتجاهل مقترحات الجماهير، بل وصل الأمر لأن يدعى عضو علنا أن غالبية المقترحات طالبت ببقاء مجلس الشورى! هذا كذب بين، والكل يعلم انه كذب بين، والعضو يعلم إننا نعلم انه كذب بين، فالمصريين ابهروا العالم بالعزوف عن المشاركة فى انتخابات الشورى. العجيب أن المسودة الحالية بها مواد انتقالية للرئيس ولمجلس النواب لكنها أهملت أن تنص صراحة على مصير مجلس الشورى الحالى، وكيفية تشكيل مجلس الشيوخ القادم. أظن من الواضح أن النية مبيتة للمحافظة على مجلس الشورى الحالى، كضمان فى حال تغيرت موازين القوى وخسرت جماعة الإخوان المسلمين أغلبيتها.
وبعكس أعضاء التأسيسية المبجلين، كان من تقدم من المواطنين إلى اللجنة بآلامه وأحلامه باله مشغول تماما بمصر الثورة. إليكم مثالا واحدا فقط: مادة قدمها للتأسيسية متطوعو لجنة التواصل المجتمعى:
«يجب أن تشمل الموازنة العامة للدولة، وحسابها الختامى، جميع مصادر الدخل والإنفاق دون استثناء، ويحظر وجود أى مصدر دخل أو إنفاق خاص بأى من مؤسسات الدولة خارج إطار الموازنة العامة للدولة وحسابها الختامى، وتكون الصناديق الخاصة وجميع مصادر الدخل والإنفاق خاضعة لرقابة الأجهزة الرقابية».
بهذه المادة البسيطة تبدأ أول خطوة فى حل مشكلتين من أكبر المشكلات التى شغلتنا فى السنوات الماضية: مشكلة الاقتصاد الموازى للمؤسسة العسكرية، ومشكلة الصناديق الخاصة. ترى لِمَ اختار الأعضاء تجاهلها؟
منذ اندلاع الثورة ونحن نرى نفس المشهد يتكرر: تنفتح أبواب التاريخ على وسعها أمام وجهائنا وحكمائنا، كل المطلوب منهم ــ ليمروا من خلالها وتخلد ذكراهم ــ خطوة، خطوة واحدة بسيطة تكفى، ومع ذلك فى كل مرة يصر من ساقه حظه لعتبة التاريخ أن يتكعبل ويخسف بأحلامنا الأرض. الخطوة سهلة. تواضعوا، تواضعوا واسمعوا من وضعوا ثقتهم فيكم، وحملوكم أمانة أحلامهم وآلامهم. والكعبلة أيضا سهلة: عليك فقط أن تقنع نفسك أن الهوان والخذلان بروتوكول.
Recent comments