خواتم أنسي الحاج

مَن هو شعبك؟ وما هو الرباط؟ لا أحد يستطيع أن يجيب عن سؤال واحد، سؤال خفيف واحد: مَن كان يحكي ولمَن؟ كانت الحفلة في الرأس، في الرأس وحده، الرأس الواحد وحده، الخلاعة في الرأس، الإيمان، النجاح والفشل، الصوت والصمت. الناس كانوا في الرأس. هل عواصف الرعد الليلة عواصف رعد؟ لا، إنها رقصٌ في الرأس، هذا الرأس الحيّ فقط في سجنه، الميّت بين الأحياء!

■ ■ ■

عريٌ إلى وراء العري
براءة تكسف البلاهة
شرٌّ ينير شَرَرُهُ الظلام.
«لمَ تنظر إلى أسفل؟» يسأل التمثالُ ضيفه
فيجيبه: «كي أُفردَ جَناحَيَّ أوسع من الهاوية».

العدد ٢٥١٨

أأنت المسيح صاحب قصة لعازر؟ إذن تفضّل.
الألفا سنة فاصل طويل. معنا ضعف نظر ولم نعد نراك.
المسافة شاسعة. اقترب وادخل. هذا وقتك. لن يكون لك وقت أفضل. إذ لم تجئ الآن فلا تجئ بعد ذلك. الحاجة إليك الآن.
نريد أن نعرف. نريد أن يقول لنا أحد ماذا نفعل، أين الحقّ، لماذا نعيش، من هم هؤلاء ومن هم أولئك.
نريد أن يقول لنا أحد من نحن، ولماذا يضربوننا، ويكذبون علينا، ويجوّعوننا، ويبّشعون حياتنا، ويهدرون مستقبل أولادنا، ويعهّرون الحياة من بابها إلى محرابها.
نريد أن نعرف منك أنت مع من.
لقد سئمنا التراتيل والأناجيل ومتّى ومرقس ولوقا ويوحنا. وسئمنا خصوصاً أعمال الرسل. وبولس. وبطرس. والرؤيا. وجميع القديسين.

العدد ٢٢٢٦

جميلة وفي جاذبيّتها طَعْم الحتميّة. قويّة وتوظّف كلّ قوّتها في طموحها.

■ ■ ■

الجهد، التنفيذ، النجاح.
وبفضل خيطٍ من الشكّ في نفسها، صادقة وفاتنة، وينطبق عليها وصف «فام فاتال».

■ ■ ■

ترغب في الحميميّة رغم حَذَرها. وما إنْ تبدأ بالحصول عليها حتّى تهرب.

■ ■ ■

تبدو جذورها أقوى منها، لكنّها الجذور المحدودة بالعائلة والمنشأ. جامعةً في أعماقها بين القدرة على الحبّ وخزائن من العزلة. وهذه الحَذِرَة مثل كرّاز الماعز عند تسلّقه الأعالي، تجازف أحياناً بأمانها لعيش لحظاتٍ شبه حاسمة.

العدد ٢١٨٦

يستعجل اللاحقون دفن السابقين.
إنّها السلطة، في الأدب والفنون والأديان أيضاً. تقول خرافة شائعة إنّ الحضارة تَواصُلٌ واستمرار. ولكنّها خرافة. يرثُ الحاضرُ الماضي شاء أم أبى وليس في الغالب من باب الوفاء. وتَراها وراثة ووراثة. ولم يرث حقّاً إلّا مَن غار الإرث فيه غَوْر الليلِ في مجهوله.
على أنّ اللاحق ليس دوماً جديداً ولا بالحتم مجدّداً وإنّما يأتيه ذلك بتلاقي الضرورة والموهبة، والتاريخ والقَدَر، واللحظة والشخص.
ولا يكفي اللاحق أن لا يقلّد السابق، بل زد انوجاد اللاحق في زمنه انوجاد مَن يَقْطع مع السابق ثائراً غازياً أو مَن يَصل الأوقات وَصْلَ الملخّص لها والمتقدّم إلى الأمام منها بقدراتٍ هَدْميّة وبخَلْفيّة تُوجِدُ العَدَم.

العدد ٢١٨٢

هل الانقسام العمودي صفة لبنانيّة دائمة؟ لا نعرف كيف كان وضع هذه البلاد قبل المسيحيّة والإسلام ولكنْ بعدهما يبدو ان الانقسام بات قاسماً مشتركاً. عندما نتكلّم باعتزاز عن محطّات في التاريخ، توحيديّة، أو وحدويّة، يحتقن كلامنا مثلما يفعل عند استعراض الاستثناءات. فخر الدين الثاني ــــ الذي حايل الباب العالي ووسع حدود لبنان على نحو خرافي، فاستعاد الخريطة الفينيقية ومهّد للبنان المستقبل، كما يقول جواد بولس ــــ لم يتمكن من التغلب كلياً على الانقساميين في الداخل. عيوننا على الخارج وليست فقط عيون الخارج علينا.

العدد ٢١٧٦

لا أعرف ماذا أكتب. لا تكتب، تقول لي. ماذا أفعل إذاً؟ أبيع الماء والكهرباء؟ ماذا أفعل وأنا ليس في يديّ مسدس ولا رشّاش بل أمامي ورق أبيض لا يحتمل غير قلم؟
كيف نرود الآفاق المجهولة ونحن قانعون؟ ونحن نبذل قصارانا لنبتكر المبرّرات للبشاعة والضحالة؟ نكذب إنْ قلنا إنّ الشجاعة لم تفارقنا وإنّنا ما زلنا متهوّرين. منظر سيّارة مسرعة يلقي في القلب أشدّ الرعب.
مَن يبطّن لنا الجدران والنوافذ فلا يعود ضجيج بيروت يقتلنا؟ مَن يأتينا بالموسيقى العازلة؟ لم تكن هذه الحياة لتكون حياتنا. الطفل، حين يلاعب يديه في مهده، تفرّ منه الحيويّة ويمور أكثر من طبيعة كاملة. ما أكرم الحياة لمَن لم تضجر منهم بعد!

العدد ٢١٧٠

جديّاً؟
ممّا يستوقف في المشهد العربي منذ بدأ «ربيعه» أنّ البديل المتقدّم هنا وهناك ليس أفضل من الذين خُلعوا أو هم مرشّحون للخلع. يحكى عن ضرورة مرور وقت. يحكى عن الثورة الفرنسيّة. أمّا الوقت فلم يدخل ولن يدخل في الحساب العربي إلّا بالمقلوب. وأمّا الثورة الفرنسيّة فهل نحن جادّون حين نرتكب هذه المقارنة؟


إعادة اختراع
القتل على مراحل بلّد المشاعر. حتّى التلفزيون لم يعد يلتفت إلى المجازر. لا العراق ولا سوريا، مع أنّهما ضربا الأرقام القياسيّة. لقد تغيّرت مقاييس التراجيديا، صار الموت أصغر. لو حصلت اليوم أحداث الالياذة والأوديسه وكلّ تراجيديّات شكسبير في أفريقيا أو الشرق الأوسط لما استدعت بضعة أسطر في قاع صفحة داخليّة من الجريدة.
هذه الألفة مع الموت تساعد أهل الفقيد على استيعاب فقده وتغيير الموضوع، لكن يُخشى أن يرفض البعض الموت في ظروفٍ كهذه ويتشبّثوا بالحياة ريثما يصبح الوقت ملائماً للبكاء عليهم. وأكبر الظنّ، إذا استمرّت شلّالات الدم الفعليّة من هنا والقتل السينمائي الأميركي بإغراء سهولته من هناك، أكبر الظنّ أنّ البشريّة ستطالب بعد حين بإعادة اختراع الموت.

العدد ٢١٦٤

كم دولة عضو في الجامعة العربيّة؟ 26؟ 28؟ هذه تتبع السعودية، هذه إيران، هذه إسرائيل، هذه أميركا... أما من دولة فيها رائدة؟ سيّدة نفسها؟
هذا السؤال ليس لي. ولا لعربي.
هذا السؤال طرحه أمامي شاب إيراني صادق ومتألّم من الحال العربيّة الراهنة.
الراهنة؟
إذا استثنينا مرحلة عبد الناصر، متى كانت الحالة العربيّة غير راهنة؟
شخصٌ في لبنان كان وزيراً قبل عقود لا يزال مقدّمو البرامج والنشرات التلفزيونيّة يعرّفون عنه على أساس أنه الوزير فلان الفلاني. حنينٌ لبناني إلى عروبةِ الصحراء حيث يولد المرء مؤهّلاً لمنصب وزير خارجيّة إلى أن يموت الوزير الجالس فيحلّ محلّه المؤهّل منذ الولادة ويظلّ في الكرسي حتّى الممات.
وهكذا في السلطة العليا، رئيس إلى الأبد.

العدد ٢١٤٨

«مريم»

كلّما جرّحتُ هذي البرتقالهْ
تتبسّمْ
ربّما علّمها الحبّ وأعطاها جماله
ربُّها أو طفلُ مريمْ
كلّما أوغلتُ في البحر نأى الشاطئ عنّي
ولكي أسترجعَ الشاطئ في البحر أغنّي
كلّما امتدّت إلى النجم يميني
كان برقٌ خاطفٌ أسرع منّي
كلّما أوضحتُ ما كانت تقول الشجره
خَذَلتني سوسةٌ نائمةٌ في الثمره
هكذا نبدأ من حيث انتهينا
لا لنا شيءٌ ولا شيءٌ علينا».

العدد ٢١٤٣

مصائر لغة
أضحك ممّن يقول لي إنّ مسيحيّتي ستظلّ، مهما كتبتُ بالعربيّة، تسقطني إلى الهامش في مراتب الأدباء العرب. فالعربيّة لغة المسلمين بمعمودية القرآن، وأمّا مسيحيّوها فضيوف. كرامٌ ربّما، ولكن ضيوف، أشبه بأدباء المستعمرات السابقة في اللغة الفرنسيّة: ليوبولد سنغور أو جورج شحادة أو إيمي سيزير أو الطاهر بن جلّون أو أمين معلوف، وسواهم من أدباء كندا الفرنكوفونيّين، سيظلّون في الصفحات الرماديّة من كتاب الأدب الفرنسي. إنّهم «الملحق».

العدد ٢١٣٧