المدونة

نعرض أحدث الآراء و التحليلات لأبرز مدوني هافينغتون بوست عربي

قتيبة ياسين Headshot

إيرانتيل.. اضغط "واحد" لاختيار اللغة الفارسية

تم النشر: تم التحديث:

كالكثير من الاستثمارات في سوريا فقد كانت شبكات الهاتف المحمول محرماً ملكها لغير الأسرة الحاكمة، فهي ملك لبشار الأسد بواجهة من ابن خالته رامي مخلوف، وتحريم ملكيتها على الغير لم يكن لدواعٍ أمنية؛ بل لأنها شركة رابحة جداً، حيث كان السوريون يتندّرون على ربحيتها فيقولون: هل سمعتم بأن أحداً يبيع الهواء! هذا رامي مخلوف يبيعنا الهواء.

فلم تقتصر قيمة مكالمات المواطن على القيمة التشغيلية أو ضرائبها فحسب؛ بل تعدت ذلك بكثير، فأصبحت تكلفة الاتصالات تشكل نسبة 20% من مرتب الموظف السوري الشهري.

وبحسبة بسيطة، فقد كانت تكلفة الخمس دقائق تقدّر بدولار أميركي واحد، وهو ما قيمته خمسون ليرة سورية في ذلك الوقت، وسعر باقة الإنترنت الواحد غيغا 500 ليرة سورية، أي عشرة دولارات أميركية، مقابل الواحد غيغا من الإنترنت، والواحد هذه لا يكفي لمشاهدة فيلم على يوتيوب.

وهنا يجب أن تعلم أن راتب الموظف السوري من الدرجة الأولى هو بحدود 15000 ليرة سورية أو يزيد قليلاً للقدماء، أي إذا تكلم هذا المواطن لساعة واحدة في الشهر على هاتفه النقّال واستخدم 4 غيغا على الإنترنت فإنه سيصرف ما يزيد عن 20% من مرتبه، وهذا فقط على الاتصال دون أن يأكل أو يلبس أو يصرف على أولاده.

ولهذه الأسباب فقد كان استخدام الهاتف المحمول والإنترنت يعتبر من الكماليات بالنسبة للمواطن السوري.
ولاحظ هنا أنني قلت "استخدام الهاتف المحمول" ولم أقل "اقتناءه"؛ ذلك لأن المواطن السوري كان يقتني الهاتف المحمول ليستقبل الاتصالات فقط؛ حيث لا يملك من الرصيد سوى ما يخوله "للتنقير"، والتنقير هنا هو مصطلح متعارف عليه في جميع محافظات سوريا، ويختلف هذا المصطلح أحياناً ليصبح "التعليمة" فيقال "علّم لي فلان لي"، أي اتصل بي وفصل مباشرة قبل أن يفتح الخط في وجهه، ويخسر بذلك عشر وحدات، التي كانت قيمتها بسعر ساندويش الفلافل آنذاك، أو يقال "نقّر لي فلان"، وهي تحمل ذات المعنى، والتي هي باختصار "مكالمة فائتة".

أما عن اختراع "التنقيرة"، فقد قالوا قديماً: "الحاجة أم الاختراع"، فقد اصطلح الأصدقاء أو الأهل على "التنقيرة" كلّ منهم بمعنى معيّن، فمثلاً:
قد "ينقّر" أحدهم لصديقه بمعنى "لماذا تأخرت؟"، أو قد ينقر الرجل لزوجته بمعنى "أنا قادم من العمل؛ لتقوم بإعداد الطعام له"، وقد ينقر العاشق لحبيبته ليلاً "بمعنى تصبحين على خير".

وشخصياً كنت قد اتفقت مع أصدقائي على ثلاث تنقيرات متوالية تحمل معنى "تعالوا لتسهروا عندي"، فيكون الرد بتنقيرة واحدة "آسف لن أستطيع"، وبتنقيرتين "حسناً سوف آتيك حالاً".

قد يستغرب البعض فيتساءل: لماذا لم تكونوا تستخدمون الرسائل النصية "المسجات"؟ والجواب هو أن تكلفة الرسالة تساوي المكالمة العادية في ذلك الوقت.

وقد اشتهر بعض السوريين بالبخل في الرصيد، فوصل بأحدهم الحال إلى أنه ينقر على الجميع ولا يدق لأحد، وفي كل مجموعة هناك من يفعل ذلك، ينقر ولا يدق أبداً، وبعضهم ليس بخيل عموماً عدا "بالوحدات" والوحدات هذه هي وحدة قياس الرصيد عند شركة بشار الأسد "سيرياتيل"، فقد كانت تكلفة الدقيقة الواحدة تساوي "10 وحدات" وقيمتها عشر ليرات، أي أن الوحدة بليرة سورية، وقد تمّ تخفيضها فيما بعد لثماني ليرات سورية، وأصغر تكلفة عند شركة الأسدتل هي "العشر وحدات"، أي إذا تكلمت لثوانٍ، فإنها تحسب عليك دقيقة، أي "عشر وحدات"، فكان أحد أصدقائي ينهي مكالمته ولا يغلق الهاتف حتى يصل العداد إلى الثانية 59 وعندها يغلق الخط، وقد أجابني عندما سألته عن تصرفه ذلك بقوله: "لن أترك رامي مخلوف ينتفع بأي ثانية زيادة من خطي هذا"، وكنت أعتبره في سري شكلاً من أشكال المقاومة.

وبالطبع فصديقي يعرف أن رامي مخلوف هو واجهة لبشار الأسد، لكنه لا يجرؤ على تحديه، ويكتفي بتحدي واجهته رامي مخلوف.

وأذكر أن بعض أصدقائي زاروا الأردن فتعرفوا إلى أمر جديد عليهم، وهو أنهم يتصلون ببعض وهم في ذات المنزل، وذلك نظراً لرخص المكالمات، وتفاجأوا أيضاً بأن الأردنيين لم يكونوا يعرفون معنى "التنقير أو التعليمة"!

بقي أن نشير هنا إلى أن هناك في سوريا يوجد شبكتان للهاتف المحمول هما "إم تي إن" و"سيريتل"، إلا أنهما كانتا تتبعان لذات الشخص "رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد"، فكانتا تقدمان ذات العروض وذات الأسعار وهما متطابقتان تماماً مختلفتان بالاسم واللون فقط.

وعلى الرغم من أنه تقدّمت الكثير من الشركات العالمية والخليجية للعمل في سوريا، فإنه كان يتم رفضها جميعاً لترسو المناقصات على شركات الرئيس وابن خالته، لكن هذا كان زمان، فاليوم تبدلت الأمور، للأسوأ طبعاً، فقد دخلت شركة ثالثة، وهي شركة إيرانية لتشغيل شركة ثالثة، وفي رأيي فإنه حسب عدد المقاتلين الإيرانيين في سوريا، فإنه -والله أعلم- سيضعونهم بين خيارات اللغة، فعند اتصالك على الاستعلامات سيجيبك المجيب الآلي "اضغط على الرقم واحد لاختيار اللغة الفارسية وعلى الرقم اثنين لاختيار اللغة الروسية، وعلى الرقم ثلاثة لاختيار اللغة العربية، وإذا تم اختيار اسم للشركة على غرار اختيار اسم "سيرياتل"، فسيكون اسم الشركة الإيرانية الجديدة "إيرانتيل"، هذا والله أعلم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.