المدونة

نعرض أحدث الآراء و التحليلات لأبرز مدوني هافينغتون بوست عربي

جابر علي محمد Headshot

صراع عربي كردي يقوده المثقفون السوريون

تم النشر: تم التحديث:

قد لا نختلف على صعوبة وتعقيد الأزمة السورية التي كانت ثورة مرَّت بعدد مراحل؛ ليتحول إلى صراع إقليمي بصبغة دينية ورعاية دولية، تشابكت فيها المصالح، واختلفت الأدوار، بعد ستة أعوام من أشد أنواع المعاناة عاشها الشعب السوري بدرجات مختلفة بين كل أطيافها؛ لتصبح عبارة عن لوحة تشكيلية لا تكاد تفهم منها سوى اللون الأحمر القاتم، وكان لا بد للمثقف السوري الذي يقع على عاتقه توعية مجتمعه المأساوي من خلال المرحلة الصعبة التي يمر بها في ظل الانتشار الكبير لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً مهماً في نقل معاناة الشعوب التي شهدت بلدانها ثورات شعبية، لكن يبدو أن غالبية المثقفين السوريين لم يحسنوا التصرف مع الصراع المعقد؛

بل كانوا أدوات بيد الأجندات والقوى المتصارعة، أو تأثروا بالصراع القائم، إن صح التعبير، وخاصة التنسيقيات الشبابية التي خرجت بداية الثورة السورية، وانقسمت إلى مجموعات حسب الجهة الراعية لها، سواء من المجموعات المعارضة أو من الجهات الخارجية، متخذين من مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً لبث أحقادهم، وللرد على الانتقادات والاتهامات المتبادلة بين الأطراف السياسية بعد دخول الصراع الكردي - التركي في الأزمة السورية عن طريق الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني pyd في المناطق الكردية، وظهور الجماعات الإسلامية داعش وأخواتها في المناطق العربية، ودور تركيا في دعم بعض الفصائل السورية المعارضة لمواجهة الوحدات الكردية، خشية توسعها مع الشريط الحدودي لها؛ كونها بداية مشروع كردي يهدد أمن تركيا القومي، حسب تصريحات القيادات التركية.

ومن جهة أخرى، غياب صوت المثقف الحر في المناطق التي سيطرت عليها القوى المتصارعة بسبب الرقابة والتخوين عند التنديد بممارساتها مع المواطنين هذا إذا لم يتم تصفيته.

قد يكون كل ما ذكر أهم الأسباب الرئيسية في هذا الصراع الثقافي بين أبناء الوطن الواحد الذي يخدم النظام السوري، طالما حاول مراراً دس السموم بين مكونات الشعب السوري لجره إلى صراع أهلي لتغير مسار الثورة السورية، وهذا ما نجح به؛ لأن والده الراحل حافظ الأسد زرع تلك الأحقاد والكراهية منذ عقود؛ ليثمر بعد عام من الثورة السورية، ليبرهن للعالم أنه حامٍ للأقليات، وأنه يحارب الإرهاب، الكذبة التي روَّجها في بداية الثورة السورية.

تصريحات بعض السياسيين والمثقفين العرب الذين يوصفون بتلاميذ البعث ركبوا الثورة، وأساءوا إلى القومية الكردية بدل انتقاد سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي pyd، كانت بداية الشرخ بين المثقفين الكرد والعرب، حسب آراء بعض المطلعين بهذا الشأن؛ حيث وصف البعض الشعب الكردي بالغجر والبويجيين والملاحدة؛ ليبدأ الطرف الكردي بالرد بعبارات متشابهة بوصف العرب بالغباء والتخلف والإجرام والدعشنة، وهنا كان لا بد من أصحاب الأقلام احتواء هذه المشاحنات، وعدم السماح لها بالنشر، على العكس تماماً أخذ كل طرف في التشجيع حتى وصل الأمر إلى بعض المثقفين ممن جعلوا صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً لبث السموم؛ لتزيد من معاناة الشعب السوري أكثر، بل وتهدد التعايش السلمي بين أطياف المجتمع السوري.

وعلى الرغم من ظهور عدة مؤتمرات ولقاءات لفئة من المثقفين السوريين في أماكن ومدن مختلفة، لكنها جميعها فشلت، كما هي الحال في الصراع القائم بين القوى السورية المتصارعة لعدة أسباب، أهمها الصراع الطائفي الكبير للنخبة الثقافية الكردية والعربية، وفقدانها للثقة المتبادلة، وربطها للأحداث السياسية والصراعات على حساب الولاء والانتماء للوطن؛ لأنهم أصبحوا توابع متأثرين غير مؤثرين، وهذا ما قد يدفع السوريون ثمنه غالياً؛ لأن مسؤولية المثقف في مثل هذه الأزمات هي التغلب على العقبات ومواجهة الواقع الأليم، وخير مثال على ذلك الكاتب جان جاك روسو، إبان الثورة الفرنسية، ولو أنها تختلف عن الأزمة السورية.

فالعلاقة بين العرب والكرد علاقة تاريخية تتخللها محبة ومصاهرة ووئام، ولا بد للعقلاء والمثقفين العرب والكرد من اتخاذ خطوات وطنية، ودعم مبادرة حقيقية لإعادة الثقة والألفة بين أبناء الوطن الواحد، إذا ما أرادوا الحفاظ على النسيج الاجتماعي السوري.

وليكن مؤتمر الأستانا -بغض النظر عن نتائجه- بداية طريق لتصحيح مسار الأخطاء التي ركبت الثورة أو الأزمة السورية، التي أبعدت بين مكونات المجتمع السوري، وجعلتهم حطباً في نيرانها، وليبدأ المثقفون السوريون بإبعاد كل من يحاول الشرخ بين مكونات الشعب من خلال الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، بمحاولات حقيقية وجدية للتغلب على التبعية، ونشر التوعية والإخاء بين أبناء الوطن الذي مزَّقه الحرب؛ لأن الخاسر الوحيد هو الشعب السوري.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.