انتخاب رئيس للبرلمان المغربي يشعل الغضب بحزب العدالة.. هل تخلَّى الإسلاميون عن حلفائهم لصالح مَن حاربهم؟

تم النشر: تم التحديث:
MOROCCAN PARLIAMENT
STR via Getty Images

جاء انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب المغربي، ينتمي لحزب صغير كان يرفض رئيس الوزراء المعين عبد الإله بنكيران إدخاله إلى حكومته، ليُشعل موجةً من الغضب داخل حزب العدالة والتنمية الإسلامي المتصدر للانتخابات، بسبب تنازل العدالة، وتسهيله لعملية انتخاب رئيس البرلمان، رغم أنه لم يتمكن بعد من تشكيل أغلبيته لقيادة الحكومة.

وأجريت هذه الانتخابات يوم الإثنين 16 يناير/كانون الثاني 2017، حيث تم اختيار الحبيب المالكي عن حزب الاتحاد الاشتراكي كرئيس لمجلس النواب المغربي، بعد أنْ شهدت الجلسة انسحاب حزب الاستقلال الذي يدعم جهود العدالة لتشكيل الحكومة.

وتعد هذه أول مرة يتم فيها انتخاب رئيس البرلمان قبيل تشكيل الأغلبية الحكومية.

وكان لافتاً أنه تم انتخاب الحبيب المالكي رغم أن رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران، عرض على عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يوصف بكونه صديقاً للملك محمد السادس، رئاسة مجلس النواب، غير أنه رفض ترشيح أي عضو من أعضاء حزبه لهذا المنصب، وفضَّل دعم مرشح الاتحاد الاشتراكي.

هذا الموقف جعل مراقبين يفسرون انتخاب الحبيب المالكي الذي نال حزبه الاتحاد الاشتراكي، 20 مقعداً فقط، بأنه جاء إثر رفضه الدخول في الحكومة الجديدة والمشاركة فيها، وبالتالي عرقلة تشكيلها، أي أن هذا الحزب الصغير يكافأ على دوره في تعطيل تشكيل الحكومة، وأن العدالة الذي يفترض قيادته للحكومة أسهم في تقديم هذه المكافأة.

وعبَّر حزب الاستقلال عن "امتعاضه مما أقدمت عليه قيادة حزب العدالة والتنمية، لأنه اعتبرها أخلَّت بقواعد التنسيق السياسي الحقيقي بين الحزبين"، وذهب إلى القول: "نعبر عن مخاوفنا من أن يكون الأمر يتعلق بصفقة سياسية ارتأى السيد رئيس الحكومة أنها الصيغة الوحيدة المتبقية له للنفاذ بجلده في مسار مشاورات تشكيل حكومة مشوهة"، حسب تعبيره.

الموقف الجديد لحزب الاستقلال قد يعقد أكثر من مهمة بنكيران لتشكيل الحكومة الجديدة التي مضى عليها أكثر من ثلاثة أشهر، دون أن يجد توافقاً مع الأحزاب الراغبة في المشاركة في الحكومة.


غضب ودفاع


في الوقت الذي عبَّر فيه حزب الاستقلال المغربي عن رفضه عملية التصويت على رئيس مجلس النواب، وغادر قاعة الانتخاب، بسبب ما أسماه "تعذر الشروط العادية التي يحتاجها عادة انتخاب رئيس مجلس النواب بما يمثله ذلك من وضوح في المشهد السياسي والحزبي الوطني"، لم يجد حزب العدالة والتنمية الذي لديه 125 نائباً برلمانياً سوى التصويت عبر وضع ورقة بيضاء في صناديق الاقتراع.

وتأتي أهمية حزب الاستقلال بالنسبة لعبد الإله بنكيران من أنه يرى وجود الاستقلال إلى جانبه هو بمثابة توحد للقوى الوطنية ضد ما يسميه التحكم (مساومات أحزاب مناهضة له بعضها محسوب على القصر).

ويصرُّ حزب العدالة والتنمية على إشراك الاستقلال، في إثر قيام الأخير بما وصف بعملية إنقاذ للعدالة من محاولة "انقلاب" في اليوم الثاني للإعلان عن النتائج كان يخطط لها حزب الأصالة والمعاصرة (ينظر له أنه مقرب للقصر) الذي احتل المرتبة الثانية في البرلمان بـ102 مقعد.

ووقف الاستقلاليون في وجه مخطط إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة، الذي دعا حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في لقاء مشترك إلى عدم مدِّ اليد إلى بنكيران، وعدم التحالف معه لتشكيل الحكومة، الأمر الذي رفضه الاستقلال، مما جعل بنكيران يتشبَّث بضمه إلى حكومته، في مواجهة محاولات الثأر منه جراء هذا الموقف الاستقلالي.


انتقادات للعدالة


المشاركة ولو بورقة بيضاء في التصويت الذي أفرز فوز قيادي حزب الاتحاد الاشتراكي برئاسة المجلس النيابي، جلب للحزب المتصدر انتقادات على الشبكات الاجتماعية حتى من قبل أعضائه.

سمير شهيد، أحد نشطاء حزب العدالة والتنمية، اعتبر أن موقف حزبه مما حدث لم يكن على المستوى المطلوب، إذ كتب على صفحته "موقف حزب الاستقلال وأمينه العام حميد شباط "كبير" عن موقف العدالة والتنمية وبنكيران"، (في إشارة إلى أن موقف حميد شباط الذي رفض التحالف مع الأصالة أفضل من موقف بنكيران الذي سمح بانتخاب رئيس البرلمان)، بينما قيادة حزب الاستقلال كانت تنتظر ترشيح حزب العدالة والتنمية لعضو عنه لرئاسة مجلس النواب.

من جانبها، اعتبرت البرلمانية الشابة إيمان اليعقوبي أن حزب العدالة يقدم في كثير من المحطات تنازلات، لكنها اعتبرتها تنازلات من أجل الوطن.

نشطاء آخرون من داخل الحزب، عادوا بعد عملية انتخاب رئيس مجلس النواب، ليدافعوا عن أمينهم العام عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، إذ تزعمهم عضو المجلس الوطني للحزب حسن حمورو، بإطلاقه هاشتاغ "#كلنا_بنكيران".


القيادة تبرر


قيادة حزب العدالة والتنمية، ارتأت الرد عبر موقعها الرسمي على الإنترنت، على هذا النقاش الدائر حالياً بمواقع التواصل الاجتماعي وفي صفوف الحزب، إذ أكد سعد الدين العثماني، رئيس فريق الحزب بمجلس النواب، أن تصويتهم بالورقة البيضاء جاء "لتوجيه رسالة بكوننا نريد البحث عن طرق ووسائل لحلحلة هذا التعثر في تشكيل الحكومة".

هاجس تشكيل الحكومة والخروج من حالة "البلوكاج" (الجمود في تشكيل الحكومة)، دفع العثماني الذي شغل منصب وزير للشؤون الخارجية في الحكومة السابقة إلى التأكيد على أن الحزب كان يرغب في ترشيح أحد كوادره "لكننا فضلنا ترك المجال مفتوحاً لخلق الشروط الإيجابية لتشكيل الحكومة المقبلة وعدم تأزيم الأجواء مع أصدقائنا في الأحزاب الأخرى".

من جهته، اعتبر وزير النقل والتجهيز في الحكومة المنتهية ولايتها، عزيز رباح، بحسب ما جاء في الموقع الرسمي للحزب أن القضايا الوطنية تفرض تحقيق الإجماع من قبل جميع القوى الوطنية، قائلاً "لا بد أن يتأكد العالم أنه حينما يتعلق الأمر بالقضية الوطنية، ومعاركنا الدولية والمشاريع التي يقودها الملك، فإن هناك إجماعاً من القوى الوطنية، بغض النظر عن موقع هذه القوى".


دعاية مجانية


في المقابل، اعتبر المحلل السياسي رشيد لزرق في تصريح لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن "إقدام حزب العدالة والتنمية خلال جلسة التصويت على الإدلاء بالورقة البيضاء يهدف وفقاً لذهنية أعضاء الحزب لمحاولة تحقيق دعاية مجانية، تضاف إلى ترويجهم لمقولة إن جهات عليا وراء البلوكاج الحكومي (التجميد)"، حسب قوله.

ورأى المحلل المتخصص في شؤون الأحزاب، أن هذا العمل من قبل برلمانيي الحزب الإسلامي "ينصبُّ في اتجاه خلق نوع من التعاطف الشعبي والمجتمعي حولهم، ومحاولة الظهور بمظهر شهداء الديمقراطية أمام الرأي العام الدولي"، وفقا لتعبيره.

وحول السيناريوهات المطروحة حالياً بعد انتخاب رئيس مجلس النواب من حزب يرفض رئيس الحكومة المعين إدخاله إلى حكومته، قال الباحث لزرق إن هناك جملة من السيناريوهات غير المؤكدة.

من بين هذه السيناريوهات التي يراها الباحث لتجاوز حالة "البلوكاج"، إشراك حزبي الاتحاد الدستوري، غير أنه يرى أن هذا السيناريو سرعان ما ستتهاوى فيه الحكومة، خاصة أنه قد تنشب صراعات داخلها بين الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار (الذي يترأسه عزيز أخنوش المقرب للملك)، لأنهما يريدان نفس الحقائب الوزارية، الأمر الذي يرفضه حزب التجمع الوطني الساعي لنيل حقيبتي الاقتصاد والخارجية (الأهم في الحكومة).
ويرى الباحث أن أقرب سيناريو قابل للتجسيد هو ضم الاتحاد الاشتراكي الفائز برئاسة مجلس النواب إلى الأغلبية السابقة، لكون هذا الحزب لا يمكن التعويل عليه في مساندة للحكومة دون أن يكون داخلها.

في المقابل فإن حزب الاستقلال قرَّر دعم الحكومة سواء شارك فيها أو كان خارجها، في حين أن الاتحاد الاشتراكي الذي يغير مواقفه بسرعة قد يتخلى عن مبدأ مساندة الحكومة في البرلمان، إذا لم يتم إدخاله فيها ومنحه حقائب وزارية.

وهكذا يبدو بنكيران أمام تحدٍّ كبير، هل يتخلى عن الاستقلال الذي أعلن دعمه له سواء شارك بالحكومة أو لم يشارك، لصالح حزب حاول عرقلة خروج هذه الحكومة للنور؟.