|   

النسخة: الورقية - سعودي

< نعيش في عصر «سنابشات»، التطبيق الاجتماعي الذي استحوذ على وقت وعقول الكثير من أطياف المجتمع، فهو ذلك التطبيق الذي يتيح لمستخدميه الفرصة لمشاركة متابعيهم وأصدقائهم مقاطع فيديو قصيرة لا تتجاوز 10 ثوانٍ حداً أقصى، ليصنع المستخدم من حياته فيلماً قصيراً يروي من خلاله تجاربه وطقوسه اليومية، ويقدمها إلى ذائقة وروح المتابعين.

عندما تتأمل من حولك تجد وسائل الإعلام الجديد تقدم ما هو يليق بالذوق العام وما هو فاسد، ففي النهاية الجمهور هو الحكم الذي يقرر بأن يتابع ما يستهويه من فكر وثقافة أو «هياط»، ولكن ليس كل ما هو رائج لفئة محددة ممكن أن يكون رائجاً لدى الجميع، وكما يقول المثل لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع!

مشاهير «سنابشات» يتصدرون «الترند» الخليجي يومياً، على رغم أنهم لا يقدمون سوى محتوى سطحي لا يضيف قيمة معلوماتية للمتابع. فمثلاً تجد بعضهم يتافخرون بساعاتهم وسياراتهم وكأنها الإكسسوار الأهم في حياتنا! بينما الإكسسوار الأهم هو العلم والثقافة. هؤلاء فكرة الحياة المرفهة هاجسهم الأول والأخير في هذا العالم الافتراضي، إضافة إلى أن بعضهم يتلفظ بألفاظ نابية وسوقية لإثارة الجدل، ولكي يكسبوا بذلك عدداً كبيراً من المتابعين ويكونوا على طاولة حديث المجتمع.

السؤال الذي يجب طرحه هنا هو: ماذا استفدنا من هؤلاء؟ لا شيء سوى الفساد الإعلامي والأخلاقي والاجتماعي في محتوى يدغدغ أحلام اليقظة لدينا بلا فائدة تذكر!

عقول فارغة تغرّد خارج سربها حتى تنظر إلى الآخرين بتملق وتكبر، تعيش في فقاعة عارمة تحاول زرع سلوكيات شاذة تنحدر من سيئ إلى أسوأ، تحاول هذه الفئة سحق النخبويين من الأدباء والمفكرين الذين لهم ثقل اجتماعي كبير في مجتمعاتهم، وهذا يدفعني إلى أن أطرح سؤالاً آخر: لماذا الذوق العام لدى المستخدم يفضّل المحتوى السطحي، ولم يعد يفضل المحتوى العميق الذي ينير عقله؟ ولماذا نحن الجمهور نصنع من هؤلاء نجوماً حتى يتصدروا «الترند» العالمي ويصبحون بذلك حديث الساعة؟

يرى علماء النفس تصرفات هذه الفئة بأنهم كانوا في الماضي يشعرون بالنقصان وليس لهم أي قيمة اجتماعية، ويحاول كل واحد منهم إبراز نفسه كأنه نجم القرن الـ21، ويريد من خلال هذه المقاطع الساذجة التي تخلو من الفكر والثقافة أن يصل إلى سماء الشهرة.

توصل علماء النفس إلى نتيجة بعد قيامهم بتحليل شخصياتهم، أن هؤلاء يصنفون ممن يعانون من اضطرابات نفسية في شخصياتهم، وأنهم غير أسوياء.

لا يمكننا أن نغفل أن هناك حسابات «سنابية» تمثل صورة مشرّفة في عالم تحفيز الشباب والتشجيع على قراءة الكتب والتبحر في علوم الفيزياء والطب التي تثري عقل المتابع في معلومات مفيدة وذات قيمة، لكن للأسف دائماً ما يصطدم المتابع بهم. المهم هنا أن يعي المستخدم أن كل ما يقدمه هؤلاء خال من القيمة والعمق الفكري، وعليه أن ينتقي الحساب الذي سيقدم له المادة الدسمة التي ستفيده في نشاطاته اليومية.

يقول الكاتب الأميركي مارك فرانك: «السبب في انتشار الجهل أن من يملكونه متحمسون جداً لنشره».

* باحث إعلامي.

This article has been published at alhayat.com. Unauthorised replication is not allowed.

للكاتب Tags not available