|   

النسخة: الورقية - سعودي

< حتى قبل يوم واحد من إعلان الموازنة السعودية لعام 2017، كانت معظم التوقعات تشير إلى أن المولود قد يأتي مشوهاً وربما فاقداً إحدى ذراعيه أو قدميه، فالمؤشرات التي خرجت معظمها كانت ترجح ولادة متعسرة وصعبة في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي عصفت بأسواق النفط والأســـواق العالمـــية ودول الخليج بالتحديد، إذ إن النفط يبقى هو الطفل المدلل الذي ستحرص على الاهتمام به، إلا أن بيان وزارة المالية وإعلان الموازنة جاء مفاجئاً للمتابعين والمراقبين. فسعر برميل النفط الذي وصل إلى مستويات أقل من 40 و35 دولاراً خلال هذا العام من جهة، وعدم توصل الدول المنتجة للنفط إلى قرار خفض الإنتاج من جهة أخرى، كاد أن يغرق السوق بالإنتاج الفائض العشوائي، لولا لطف الله وتدخل الحكماء من الدول المنتجة لكبح جماح الإنتاج العشوائي، وبالفعل أسفر عن الاتفاق والتنسيق، الذي تم بين روسيا والسعودية لخفض الإنتاج وتجاوبت معها الدول الأخرى، حتى عادت الأسعار إلى مستويات مطمئنة، إذ كاد أن يؤدي انهيار أسعار النفط إلى كارثة اقتصادية لدول الخليج التي تعتمد بلدانها في موازناتها على بيع النفط.

المفاجأة الأولى التي حملتها موازنة السعودية كانت في تقليص العجز من 366 بليوناً في 2015 إلى 198 بليوناً، والأمر الثاني هو ثباتها على دعم المؤسسات المرتبطة بخدمة المواطنين وما يتعلق بصحتهم وتعليمهم، على رغم العاصفة المالية التي تمر بها والأزمة الكبيرة في توفير السيولة مع حجم المشاريع المطلوبة، وأبقت حصة التعليم والتدريب والصحة في قائمة أولوياتها، إذ استحوذت هاتان الوزارتان على 40 في المئة من الموازنة، وهي 200 بليون للتعليم، و120 بليوناً للصحة. الملفت في بيان وزارة المالية هذه المرة أنها أعلنت الأرقام المخصصة للقطاع العسكري، إذ كانت في السابق من الأرقام التي لا يفصح عنها، وهو توجه سليم، إذ إن المبدأ الأساس في رؤية السعودية 2030 هو الشفافية في المعلومات والأرقام، لهذا حملت موازنة القطاع العسكري 191 بليون ريال، وفي ما يتعلق بأمن المناطق الإدارية، وهي من المعلومات التي تخرج للمرة الأولى إلى وسائل الإعلام، خصص لها 97 بليون ريال.

من بين القرارات التي صدرت ضمن إعلان الموازنة مبادرة حساب المواطن، التي خصص لها 52 بليون ريال، وهو صندوق يقدم المعونة المباشرة للأشخاص والأسر من ذوي الدخل المحدود والأسر الفقيرة لتغطية تكاليف بعض المنتجات والسلع التي سترتفع أسعارها خلال الأشهر المقبلة، وهو مشروع طالما نادى به كثيرون لأجل توجيه المساعدات إلى أصحابها مباشرة، بدلاً من ضياعها وعدم الاستفادة منها كما حدث في السابق، إذ ذهبت إلى المستنفعين، وبحسب تصريحات وزير الشؤون الاجتماعية، قبل عام ونصف العام، بأن وزارته اكتشفت أن الكثير من المستفيدين من برامج المساعدات شخصيات مؤثرة ورجال أعمال وموظفون رواتبهم عالية، فحساب المواطن الذي أُعلن سيسهم بشكل كبير في تقديم المعونات، إلا أن هذا الصندوق مايزال يكتنفه الغموض في الجهة التي ستتولى إدارته، هل هي المؤسسة العامة للتقاعد أم التأمينات الاجتماعية، أم أنه سيسند إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ولا أظن وزارة العمل لديها الخبرة الكافية، فالمؤسسات والجمعيات الخيرية التي بإدارتها إلى الآن لم تثبت لنا كفاءتها في العمل التنموي، فمن المهم معرفة الجهة المعنية وكيفية إدارتها وتفاصيل المستحقين والشروط، وهل التسجيل من خلال موقع إلكتروني أم أن الأمر معقد ومذلة.

الموازنة العامة لعام 2017، التي أعلنها الملك سلمان في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء الخميس الماضي، هي أول موازنة بعد إعلان رؤية السعودية 2030، وبرنامج التحول الوطني 2020، ما يعني أنها أول سنة لـ«شد الحزام»، وخلال الأعوام المقبلة، وفق البرنامج، سيشتد شد الحزام على الدولة، ومنها على المواطن أيضاً، إذ إنها سترفع الدعم عن الكثير من المنتجات الغذائية والمشروبات وأيضاً من الطاقة والوقود والغاز، وهذا أمر طبيعي أن ترفع الدولة الدعم في ظل المتغيرات الاقتصادية التي تمر بها، وهنا يحتاج من الجهات الرقابية الصرامة والتشديد في تطبيق القرار، بحيث يطبق على أكبر مسؤول وغيرهم من أصحاب المراكز المرموقة والشخصيات الاعتبارية، ولا تستثنى ببطاقات vip أو بطاقات مخفضة صادرة من جهة حكومية عليا، وبذلك تنتفي الفائدة من رفع الأسعار وتمييزها لفئة معينة من الأشخاص، فالإيرادات غير النفطية المتوقعة هذا العام هي 212 بليون ريال، ما يعني المزيد من التفكير لطرح أفكار ومبادرات لزيادة تحصيلها، وستقترح برامج وأدوات حتى تستطيع تغطية هذا الجانب من الإيرادات، ومن الواضح أن الإيرادات غير النفطية ستزيد خلال السنوات المقبلة مع انخفاض الاعتماد على دخل النفط، ما يعني المزيد من الضرائب والرسوم المرتفعة وموجة جديدة في ارتفاع الأسعار، تبدأ مع مضاعفة رسوم المشروبات الغازية والطاقة والتبغ، ثم تليها بقية المنتجات من غاز ووقود وطاقة، هذا الأمر سيخلق تذمراً لدى المواطنين في بادئ الأمر، إلا أنه تدريجياً سيعتاد على زيادة الرسوم ويفكر في ترشيد النفقات وتغيير سلوكاً معيشياً كان موجوداً، كما أنه سيفرز لنا نمطاً جديداً من الشخصيات المسؤولة ذات وعي وإدراك. لربما نرى مستقبلاً مسؤولاً حكومياً يحضر إلى العمل بدراجة هوائية أو مستقلاً حافلة ركاب.

مع كل هذه البرامج وزيادة الرسوم والأسعار المتوقعة، المواطن بحاجة إلى شفافية في معرفة إلى أين بلغ مشروع التحول الوطني، وكم قطع من مسافة، ومدى الشفافية المطبقة فيه ومحاسبة المقصرين من الوزراء والمسؤولين وحتى أمراء المناطق؟ الموازنة السعودية هذا العام مولود خرج سليماً بنتائج إيجابية، وكما أن المواطن عليه التزامات من دفع رسوم ومستحقات تجاه الدولة، فمن الضروري أن تكون له حقوق في محاسبة الخدمات الحكومية التي هي دون المستوى، أو تعطل خدماته أو تهمل من موظف غير كفؤ، وتمر من دون محاسبة أو مساءلة، وقتها لا طعم لأي برنامج وطني.

 

 

* صحافي وكاتب اقتصادي.

jbanoon@

This article has been published at alhayat.com. Unauthorised replication is not allowed.

للكاتب Tags not available