المدونة

نعرض أحدث الآراء و التحليلات لأبرز مدوني هافينغتون بوست عربي

 شاكر الأشول Headshot

أميركا والعرب وتطوير المناهج

تم النشر: تم التحديث:

بينما تعمل أغلب دول العالم على تطوير مناهجها ضمن مجموعة من الخطوات التي تستهدف إصلاح التعليم لتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، تكتفي بعض الدول العربية بتهذيب مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية وحذف الآيات والأحاديث والصور والأسماء التي يمكن أن تزرع التطرف والإرهاب من صفحات الكتب الدراسية؛ ولأن دوافع تطوير المناهج في تلك الدول العربية ليست ذاتية، فقد جاءت لتستهدف فقط مادتَي اللغة العربية والتربية الإسلامية؛ حيث تكثر الإشارة إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ونتيجة للضغوط التي تتعرض لها هذه الدول العربية، وللظروف المحيطة التي جعلت محاربة الإرهاب من الأولويات لديها، فإنها تحاول جاهدة إرضاء الولايات المتحدة الأميركية والدول الداعية لتصحيح مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية، فيبالغون في حذف وتغيير المحتوى في المادتين المذكورتين، ويهملون تصحيح مناهج الرياضيات والعلوم.

ما من شك أن الدول العربية في حاجة لمراجعة مناهجها وزرع ثقافة التعايش والحوار والوسطية، لكنها أيضاً في حاجة أشد إلى مراجعة شاملة لمناهجها كاملة لضمان كفاءتها وقدرتها على تأهيل الطلاب لمواجهة تحديات سوق العمل المستقبلية والإسهام الفاعل في تحسين اقتصادات مجتمعاتهم.

في أميركا وفي أوروبا وفي سنغافورة تتغير المناهج والمعايير لتضمن طلاباً بقدرات أكاديمية ومهارات عملية تؤهلهم على التنافس الاقتصادي والعلمي في قرية عالمية تلاشت حدودها الجغرافية بفعل سرعة التواصل وسهولته اليوم، وفي الوطن العربي تتغير المناهج في أغلب الدول لتضمن جيلاً مهذباً متعايشاً بعيداً عن التطرف والعنف.

بالتأكيد الدول العربية بحاجة إلى جيل أفضل وأكثر قدرة على التعايش والتعامل مع الآخر ومع تحديات المستقبل العلمية والاقتصادية والمهنية، لكن ذلك لن يأتي من خلال حذف آيات القرآن من هذه الصفحة ومن تلك الصفحة، ولن يأتي إلا بتطوير المناهج تطويراً شمولياً يلامس كل مواد العلوم والرياضيات ويغير جذرياً في طريقة التعليم العقيمة التي لم تعد مناسبة لإعداد جيل الغد.

قد تختلف تجاربنا في الدراسة قليلاً لكن تظل أوجه الشبه بين المدارس والتعليم في كثير من الدول العربية وفلسفتها أكثر بكثير من الفوارق، ومن المحزن أيضاً أن السنين التي مضت أيضاً لم تغير كثيراً في شكل ومنهاج العملية التعليمية.

الكلام عن تغيير المناهج ليس جديداً في أي من هذه الدول، فقد كنا في أول كل عام دراسي ننتظر "المنهج" الجديد بفارغ الصبر، ونفرح بأي تغيير في المنهج، بالنسبة لنا كطلاب وبالنسبة لمدارسنا كان المنهج هو الكتب المقررة من التربية والتعليم، بل كان المنهج قائمة الدروس التي تعلن وزارة التربية والتعليم مسؤوليتنا عنها في الاختبار النهائي في آخر العام.

ومنذ سنواتي الدراسية الأولى في المرحلة الابتدائية، وأنا وزملائي نسمع عن تغيير المنهج وكان معناه أن تتغير مواضيع الكتب وربما أشكالها ونوعية الورق المصنوع منها.
في الحقيقة لا أستطيع أن أتحدث كثيراً عما كان يحدث، وعن الدوافع وراء تغيير تلك الكتب، لكنها بالتأكيد لم تكن تربوية بحتة، عندما كنت في الصف الأول المتوسط في 1983 في اليمن مثلاً تم حذف بعض القصص غير الدينية مثل قصة عقلة الأصبع من الصف الخامس الابتدائي وتطعيم منهج الصف السادس والأول الإعدادي بقصتَي خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي، وفي الفصول الدراسية الثانوي فرضت قصص رجال حول الرسول.

اليوم نجد أن وزارات التربية والتعليم في عدد من الدول تتجه عكس الطريق بحذف مثل تلك القصص أو خفض كثافتها من المناهج.

من المهم الاعتراف أن تطوير المناهج في دول عربية مثل اليمن والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وغيرها قد جاء نتيجة لضغوط أميركية في المقام الأول للتعامل مع أسباب ودوافع التطرف والإرهاب في المناهج الدراسية، وما من شك أن الدول العربية التي أصبحت هي الأخرى ضحية للتطرف والعنف في مجتمعاتها لها مصلحة رئيسية في التعامل مع هذه الدوافع، لكن في نفس الوقت هذا لا يعني الانجرار بغباء نحو حذف كل آية قرآنية وكل حديث من المنهج، فحديث آداب الطريق حديث فيه تقويم للسلوك وتهذيب للإنسان، واستبداله في أحد الكتب بنشيد عن إشارة المرور يعد أمراً ساذجاً، خصوصاً أن الحديث أشمل ويعطي المدرس آفاقاً كثيرة لشرح الدرس وتنشيط فكر الطلاب للخروج باستنتاجات واستدلالات كثيرة حول آداب الطريق، وبدلاً عن استخدام القرآن والحديث لتهذيب الأنفس وإرشاد العقول بأسلوب تربوي تنجر الإدارات التعليمية لاتخاذ علميتي الحذف والإضافة كطريق أسهل "لتنقية" المناهج و"تطويرها".

يظهر الغباء واضحاً في مكان آخر عندما يتم استبدال اسم فاطمة باسم حنين في إحدى الصفحات، ويجعلنا نتساءل عن المغزى التربوي والتعليمي لذلك التغيير.

الأمثلة كثيرة من هذا النوع وبعضها قد يتفهمها المرء مثل تغيير سور وآيات القرآن التي تحض على الجهاد، لكن بعضها الآخر يدخل ضمن المغالطات التاريخية مثل الذي حدث في الجزائر عندما تم تغيير الحديث عن استقلال الجزائر إلى الحديث عن استفتاء فرنسا للجزائريين، ولهذا التغيير إيحاءاته بالنسبة لقيمة التضحيات التي قدمها الشهداء ونتيجتها بالنسبة لما حدث بعد ذلك.

لا بد من الإنصاف بالقول إن بعض الدول العربية قطعت مشواراً لا بأس به في وضع معايير المناهج وفي التعامل مع حاجة البلدان الاقتصادية والاجتماعية لتطوير وإصلاح منظوماتها التعليمية، ودول الإمارات وقطر وتونس من الدول التي قطعت مشواراً لا بأس به في هذا الاتجاه، وتسعى المملكة العربية السعودية اليوم لمواجهة هذه التحديات عبر مجموعة من الإصلاحات في المناهج والبيئة التعليمية تفرض تحديات من نوع خاص.

وبينما تستطيع دول كالمملكة العربية السعودية التحكم في عملية وسرعة وشمولية تطوير المناهج، فإن كثيراً من الدول الفقيرة مثل مصر والأردن واليمن تعتمد اعتماداً كلياً على دعم مؤسسات دولية، مثل البنك الدولي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبالتالي فإن عملية التغيير والتطوير مرهونة بالمساعدات المقدمة من تلك المؤسسات، وهي التي تتحكم بالأولويات المنسجمة مع مصالحها والمرتبطة بالتعامل مع الإرهاب والتطرف، بعيداً عن التنمية والتطوير الذي يهدف إلى خلق جيل منافس علمياً.


ما من شك فإن على المجتمعات العربية التعامل مع أخطار التطرف والإرهاب بالأساليب التربوية، لكننا نحتاج إلى تعامل عقلاني ومنطقي، وإلى توظيف القرآن والحديث والتراث، وكلما أمكن في تهذيب الأنفس وتهذيب الإنسان وإبعاده عن التطرف والعنف، وما يجب أن يدرك أيضاً هو أن كل ما يتم حذفه من كتب التربية الإسلامية واللغة العربية لن يذهب بالتطرف بعيداً ما دامت مناهج التعليم تعتمد على التلقين ومعلمينا يعتمدون على الإلقاء وعلى التحفيظ، ومناهجنا مليئة بالمغالطات التاريخية التي لا تعترف بالآخر.

ما يحدث في بعض البلدان العربية التي ذكرنا أمثلة منها هو مسخ للهوية ومغالطات ثقافية وتاريخية، فماذا يفيد أن يحذف من موضوع عن ابن بطوطة أنه تعلم الشعر والقرآن.

مستقبل الدول العربية مرتبط بمراجعة علمية وتربوية للمناهج للتأكيد على التعايش والسلام المجتمعي ولبناء قدرات ومهارات الطلاب لحل المشكلات، وللتواصل والتعامل مع الآخرين للتميز والتنافس العلمي والاقتصادي في عالم الإبداع والريادة فيه مرهونان بالعلم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.