الثورات العربية وإعادة الشأن العام لمجاله الشعبي
بواسطة 3bdulsalam في يناير.07, 2012, تحت تصنيف الساعة الخامسة والعشرون
مضى العام مسرعا بخفة رغم أيامه المثقلة بالأحداث العظيمة والجسيمة، والمشبعة بدماء الشهداء وآهات الأمهات والهادرة بهتافات الثوار، التي أعلنت عن معجزة الشعب الذي يعود للحياة للمرة الأولى في تاريخه!
ولا تحمل العبارة السابقة في طياتها على أية مبالغة، فاستثنائية العام المنصرم تأتي من أمور عديدة، يأتي على أولها عودة الشعوب العربية الغائبة والمغيبة عن ساحة الشأن العام منذ فجر التاريخ. فشعوب الشرق عامة والشعب العربي خاصة عُرف بدلالة مصطلح “الرعية” الرائج في أدبيات التراث. حيث ينطوي المصطلح على سلبية واتكالية هذا الجمع البشري وحاجته الدئمة إلى راع يقوده إلى صالح عام يرتأيه. ويرسخ في تاريخ ثقافتنا أن الحاكم هو ابن الله فرعون مثلا، وفي أحيان أخرى ثلثه إله كجلجامش في الميثولوجيا البابلية، أو مفوض بالحكم بتفويض إلهي كسسلسة الخلفاء الذين تعاقبوا علينا بدءا من الحكم الأموي، ولعل الألقاب التي حملها خلفاء بني العباس تعبر تماما عن الفكرة، ويكاد يكون الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضي الله عنه –على حد علمي- هو أول من وصف السلطة كهبة إلهية حينما رد على من طالبه بالتنحي: ما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله.
فالمسألة لا علاقة لها بالتقوى والإيمان، إنما نابعة من ثقافتنا الراسخة والممتدة امتداد تاريخنا المدني عن مفهوم السلطة وعلاقتها بالشعب. أرجو ان تكون هذه الفكرة واضحة في أذهان التيارات الإسلامية المتأهبة لولوج المعترك السياسي. ورغم التطور الحضاري الكبير الذي حققه الإنسان، وانتشار المفاهيم الحديثة عن فصل السلطات والشرعية والدولة المدنية واعتبار الشعب مصدرا للشرعية ومحلا لتفويض الحاكم بالسلطة، ورغم امتلاء دساتيرنا بهذه الرطانة، بقي الحاكم هو القائد الملهم، والضرورة، وغالبا ما يوصف بالأب القائد أو الأخ القائد. وبقي الشعب أيضا بعيدا كل البعد عن الشأن العام، يستثنى من ذلك فترات التحرر من الإستعمار، حيث لم يكن القائد الرمز التاريخي يجد كرسيا ليجلس عليه، رغم أنه يملكه في وعينا الجمعي وثقافتنا العامة.
ويكاد يكون تاريخنا، تاريخ يملأه الرضى بالإستسلام للسلطة، وعدم الإكتراث للشأن العام. حتى أن أرسطو وصف شعوب الشرق، بالشعوب ذات الإستعداد الفطري للعبودية. فالشعب اعتاد على أن القضايا العامة ذات الصلة بالمجتمع والسياسة والإقتصاد والثقافة، مسائل لا تعنيه ولا تدخل ضمن نطاق فاعلية اهتماماته ويعتبرها شؤون خاصة برجال الحكم والنخبة، لهذا ولأسباب أخرى لا يتسع المقال لذكرها، يكاد يكون الفقه الإسلامي –باعتباره الممثل لمرحلة مشرقة من تاريخنا الحضاري- فقيرا حد الجدب بالدراسات المتعلقة بالحكم وعلاقته بالشعب إلا اللهم علاقة الإنقياد وعدم جواز الخروج على الحاكم، وفي الشأن الٌإقتصادي، أحكام حول البيع والشراء تدور حول الأمر الإلهي بعدم جواز الربى، دون أن ترقى لتشكل نظرية إقتصادية متماسكة. وعلى ضحالة هذا التناول كان مصوغا بصياغة الأوامر والتعليمات الصادرة من سلطة عليا إلى عامة الشعب الذين لا محل لهم سوى التنفيذ، كتكريس لاستمرار وقوع المجال العام خارج دائرة الإهتمام والتأثير الشعبي.
والسلطة بدورها اعتادت على غياب الشعب هذا، فأصبح التدخل بالشأن العام حقا حصريا للسلطة لا يشاركها فيه أحد، وأي محاولة لكسر هذه النمطية تأتي كخروج سافر عن الثقافة والتقاليد العامة تستدعي أقسى العقوبات من الحاكم دون أي إستهجان شعبي، فالشعب معتاد ومتقبل لطغيان السلطة، ويدرك بلا شعوره وحتى شعوره الواعي أن الحديث بالشؤون العامة بما لا يعجب السلطة مسألة محفوفة بالمخاطر تستوجب العقاب من حيث المبدأ، وتبقى قسوة العقوبة هي القابلة لإبداء الإمتعاض حولها –سرا في أغلب الأحوال- وليس مبدأ العقاب أو حق الشعب في ذلك، فالشعب لا حق له في ذلك. وهذا يفسر القبول الشعبي لكثير من الممارسات السلطوية المهينة للكرامة الإنسانية، مثل لطمة يتلقاها مواطن من عنصر أمن أو مسؤول ما على سبيل المثال لا الحصر.